ديفيد مالباس، مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية، لم يكن يشكّل، قبل يوم الأربعاء، «خطراً» على الأنظمة الدولية. إلا أن تسميته لتسلّم منصب رئيس البنك الدولي حوّلته إلى شخص مثير للجدل، ليس ربطاً بسيرته المهنية وبتصريحات صادرة عنه فقط، بل بواقع أن ترشيحه جاء من الرئيس دونالد ترامب، الذي طالما هاجم المؤسسات الدولية المتعدّدة الأطراف، والتي تُعدّ من أبرز دعامات النظام الدولي، القائم بعد الحرب العالمية الثانية.قد يتوافق رأي مالباس مع رأي ترامب في هذا المجال أيضاً، فهو الذي أعلن عام 2017 أن «التعددية قد ذهبت بعيداً، إلى درجة أنها تؤذي نمو الولايات المتحدة والعالم»، وفق صحيفة «بوليتيكو». وهو «من قلّل من احتمال وقوع كارثة اقتصادية في عام 2008، ما يجعل من المفضّل استبعاد تسميته»، بناءً على ما أشارت إليه شبكة «سي إن إن». بالتالي، فإنه الشخص «الذي قد يدمّر البنك الدولي بدل إدارته»، برأي كيث جونسون في مجلة «فورين بوليسي». ولكن وفق رأي إيفانكا ترامب، ووزير الخزانة ستيفن مانوشين ـــ اللذين اختاراه للمنصب ـــ، فهو «يتمتع بخبرة وشغف بتطوير الاقتصادات والخبرات المالية المطلوبة من أجل إدارة مؤسسة مالية كبيرة ومعقّدة». كذلك الأمر بالنسبة إلى ترامب، الذي وصفه في مؤتمر صحافي بأنه «شخص مميز جداً، ومناسب للحصول على هذا العمل المهم جداً».
مع ذلك، أثار خيار الإدارة الأميركية القلق في دول كثيرة. وعلى رغم أن الولايات المتحدة هي التي تقوم تاريخياً بتسمية رئيس البنك الدولي، إلا أن هذه الدينامية ووجهت، أخيراً، باعتراضات من الخارج، فيما يمكن لهذه المقاومة أن تقوى في ظلّ ترشيح مالباس، الأمر الذي أثار ردود فعل عنيفة من داعمين أميركيين بارزين للمؤسسة. تذهب المخاوف، التي ظهرت بعد تسميته، إلى ما هو أبعد من خبراته المالية أو تطوير الاقتصاد، ويدور معظمها حول تقدير أنه «بحصول ترامب على تأييد غالبية الأعضاء في البنك، ولا سيما الدول الأوروبية، لتعيين مالباس، فستكون لديه الفرصة لإعادة رسم سياسة البنك الدولي». وقد عبّر كلّ من جوش زومبرون وفيفيان سلامة عن ذلك في صحيفة «وول ستريت جورنال»، حيث قالا إن «تعيين مالباس، إذا ما نجح، سيفتح المجال أمام إدارة ترامب لتضع ختمها على واحدة من المؤسسات التي أسست للنظام الدولي، الذي يتعارض مع سياساته بشأن أميركا أولاً».
ترامب انتقد، بشكل منتظم، المؤسسات المتعددة الأطراف، مُعرباً عن تفضيله الانخراط مع العالم من خلال مفاوضات ثنائية. وانطلاقاً من هذه الفكرة، «يواصل تشتيت المؤسسات المتعددة الأطراف، ساخراً منها على أنها جزء من العولمة»، وفق ما أشار إليه كيث جونسون في مجلة «فورين بوليسي»، لافتاً إلى أن «مالباس طالما ردّد استنكار ترامب للتعددية». إلا أن ما يثير مخاوف جاستين سانديفور، الباحث في «مركز التطوّر الدولي»، هو أن مالباس «لم يتجاهل العلامات الأولى للأزمة المالية العالمية عام 2008، بل كان قد أبدى قبولاً بإلغاء صندوق النقد الدولي أيضاً».
أثار خيار الإدارة الأميركية القلق في دول كثيرة


وبغض النظر عن هذه الهواجس، فقد بنى غالبية النقاد اعتراضهم على تسمية مالباس على تصريحات صدرت عنه عام 2017، حين قال أمام «مجلس العلاقات الخارجية» إن «الآن هو الوقت المناسب لمناقشة الهواجس المتعلقة بتوسع العولمة»، بل إن البعض رأى أن إساءة مالباس للبنك الدولي تصل إلى درجة أنه حاول خلال عمله في وزارة الخزانة إبطاء قدرته على جمع المزيد من رأس المال، وتقييد عدد الدول التي يُقرضها. وهم هنا يحاججون بأن مالباس «سعى إلى منع البنك الدولي من النمو، وإلى تحويل قروضه من الدول الغنية إلى تلك التي لا تستطيع الوصول إلى رأس المال في أي مكان آخر فقط»، كما أنه حث على «دور أكبر لرأس المال الخاص، لتمويل التنمية في أجزاء كثيرة من العالم، ودور أصغر للبنوك المتعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، الذي وصفه بأنه تطفّلي». فضلاً عما تقدم، استرجع بعض الناقدين ما قاله مالباس خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ العام الماضي، حين رأى أن العديد من الدول النامية لديها القدرة للحصول على تمويل أسهل وأرخص من القطاع الخاص، معتبراً أن «البنك الدولي يجب أن يحدّ قروضه بالدول التي هي بحاجة حقيقية إلى ذلك»، ما عدّه كثيرون تقليصاً آخر لدور البنك الدولي. كذلك، طالما عاب مالباس على البنك الدولي إقراضه المليارات للصين (أبرز المساهمين في المؤسسة المالية العالمية)، التي يقول عنها إنها تملك ما يكفي من الموارد، «وراحت تستهدف المؤسسات المتعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، من أجل النمو بشكل أوسع وأكثر تطفّلاً».
بالرغم مما تقدم، سعى مرشّح ترامب إلى التسويق لنفسه في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس، حيث أكد أن بعضاً من انتقاداته للمؤسسة كانت قد أُطلقت قبل الإصلاحات التي عمل عليها البنك في عام 2018، والتي أدت إلى زيادة رأسماله 13 مليار دولار. وأضاف أن البنك الدولي تبنّى فكرة «إعادة تصنيف» الصين ودول كبرى أخرى من أجل خفض قروضها أو تعديل نسب الفائدة. ولكن هذه التصريحات لم تبدّد مخاوف الداعمين للبنك الدولي، الذين يعوّلون على ترشيح أسماء أخرى، قد تبعد شبح «رجل» ترامب عن هذه المؤسسة.