عُقدت، أخيراً، قمّة تفاوض بين رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بخصوص إيجاد اتفاق سلام حول مصير جزر الكوريل، لكنها لم تُحدث تقدماً مهماً في الملف. في الأثناء، ومع أن النزاع الإقليمي التاريخي على الجزر البركانية في الشرق الأقصى، التي تقع تحت الإدارة الروسية منذ 74 عاماً، بعيد عن الحل، إلا أن العلاقات الروسية - اليابانية تشهد تطوراً في سياق تطغى عليه سياسة أميركية متذبذبة ومهدّدة للاستقرار.منذ عام 2016 بدأ التقارب بين اليابان وروسيا، واعتُبر أن حلّ الخلاف الإقليمي سيكون تتويجاً طبيعياً لمسار تطوري لتعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة في جزر الكوريل الجنوبية. صار من الصعب اليوم على روسيا إعادة هذه الجزر إلى اليابان، نظراً لارتباطها برهان جيو - استراتيجي مهم، بإطلالها على بحر أوخوتسك، الذي يحوي قوات بحرية روسية استراتيجية، ويمثّل أداة دفاع معززة في سياق عسكرة متصاعدة في المحيط الهادئ، لكن ذلك لا ينفي أن للبلدين مصلحة في تبني روح توافقية، وإظهار إرادة تقارب سياسي.
خلال العامين الأخيرين، بدا أن حلّ النزاع الإقليمي لم يعد شرطاً مسبقاً لبناء شراكة قطاعية ومنفعية تخدم تخفيف الضغط والردع تجاه الولايات المتحدة في ما يخص روسيا، وتجاه الصين في ما يخص اليابان. وبالنظر إلى السياق الجيو - سياسي الضاغط في المنطقة، تبدو الشراكة ضرورية أكثر فأكثر. أثارت تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المشكّكة في مستقبل التحالفات العسكرية، قلق اليابانيين. لذلك، فإن طوكيو التي تعتبر استمرار هذا التحالف ضمانة مهمة في ظلّ تصاعد قوة الصين والتهديد الكوري الشمالي، صارت تطرح المسألة العسكرية، وتبحث بالضرورة عن تنويع شراكاتها. وفي مواجهة ديبلوماسية ترامب التخريبية، والشكوك التي يمكن أن تثيرها، يرغب فلاديمير بوتين في الاستفادة من هذا الوضع.
وعلى رغم تضاعف الأنشطة العسكرية الروسية على الحدود اليابانية، لا يبدو أن طوكيو تعتبر روسيا تهديداً. إذ تحمل هذه المناورات، قبل كل شيء، رسالة إلى الولايات المتحدة، التي توسّع نظام الدفاع الصاروخي في شرق آسيا. من جهة أخرى، على الصعيد الاقتصادي، يبدو التعاون مع اليابان فرصة لتنويع الشراكات الروسية في آسيا، والاحتماء من المخاطر التي يطرحها الارتباط المبالغ فيه ببكين لناحية الاستثمار الخارجي المباشر، وشراء التكنولوجيا العسكرية الروسية. على صعيد نقل الأسلحة، صارت الصين المشتري الأول لنظام الدفاع الجوي «إس 400» والمطاردات «سوخوي سو - 35». وعلى رغم أهمية مبيعات الغاز والبترول الروسيين للصين، تبقى العلاقة غير متوازنة، وتبدو الشراكة مع اليابان ورقة ضغط مهمة للخروج من هذا الاختلال.