طهران | «لا تقتل الأفعى بيدك بل اقتلها بيد عدوك»، يبدو أن هذا المثل الإيراني هو ما كان حاضراً في الخلفية الذهنية للمرشد علي خامنئي، عندما استخدم عام 1998 حقه الدستوري ليوقف تنفيذ القرار الصادر بأغلبية مجلس الأمن القومي، والقاضي في حينه بإرسال مئة ألف مقاتل إيراني إلى أفغانستان من أجل القضاء على حركة «طالبان»، بعد أن قتلت الأخيرة عشرة ديبلوماسيين إيرانيين خلال هجوم شنّته على قنصلية طهران في منطقة مزار شريف شمال أفغانستان.لم يطل انتظار الإيرانيين، فالتطورات قادت بعد ثلاث سنوات إلى تحقق المثل الإيراني بحذافيره، عندما سقطت حكومة «طالبان» بأيدي الولايات المتحدة الأميركية، عدو طهران اللدود. أوجد هذا السقوط تشابكات إقليمية ودولية جديدة على الساحة الأفغانية، أسفرت عن تغيّرات فكرية ومصلحية لدى حركة «طالبان» من جهة، وإيران من جهة أخرى، ما هيّأ الأجواء لأن تعلن طهران أواخر عام 2018، ومن كابول، على لسان رئيس مجلس أمنها القومي علي شمخاني، إجراء مباحثات مع «طالبان»، بهدف حل المشكلات الأمنية الموجودة في أفغانستان.
رغم أن الإفصاح عن إجراء المفاوضات مع «طالبان» جاء من قبل مجلس الأمن القومي، فإن من يظهر في صورة المباحثات مع الأطراف المختلفة هو مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي. الأخير كان قد زار أفغانستان مطلع الشهر الماضي، والتقى هناك برئيس الجمهورية أشرف غني، والرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، قبل أن يعود مطلع الشهر الجاري لزيارة العاصمة كابول، مجرياً عدة لقاءات مع المسؤولين الأفغان، لإطلاعهم، وفق قناة «طلوع نيوز» الأفغانية، على نتائج المباحثات التي أجراها مع وفد «طالبان» الذي حطّ رحاله في العاصمة الإيرانية طهران قبل أيام من سفر عراقجي إلى أفغانستان. عراقجي، وفي إطار التذكير بتاريخ بلاده المرير مع «طالبان»، قام خلال الزيارة الأخيرة بجولة تفقدية للقنصلية الإيرانية التي قتلت فيها الحركة الديبلوماسيين الإيرانيين قبل عقدين من الزمن. وغرّد بعد تلك الجولة مستذكراً دماء هؤلاء الديبلوماسيين، لكنّه لمّح إلى الأولويات الإيرانية الجديدة بالقول «لن ننسى الماضي، لكن عيوننا تتجه نحو المستقبل».
زار الملا أختر منصور طهران في عام 2016


وحول هذا «المستقبل»، أقرّت طهران، وفقاً لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف، بوجود دور لحركة «طالبان» فيه، محددةً، ضمن التصريحات التي أدلى بها الوزير على هامش زيارته للهند، سقف هذا الدور بـ«عدم الهيمنة على مستقبل البلاد». الحركة الأفغانية، بدورها، أصدرت بياناً ذكرت فيه تفاصيل الزيارة التي أجراها وفدها لطهران، ووضعت، بحسب الناطق باسمها ذبيح الله مجاهد، الزيارة ضمن الجهود التي يبذلها ممثلو الحركة مع دول الجوار من أجل جلب الدعم اللازم لإنهاء احتلال أفغانستان وإحلال السلام فيها، وهو ما يتفق بصورة أو بأخرى مع مطالب طهران الدائمة بضرورة مغادرة القوات الأجنبية للمنطقة. تجدر الإشارة هنا إلى أن الزيارات لكابول واللقاءات المتكررة مع مسؤولي الحكومة الأفغانية، تأتي في سياق تأكيد التصريحات الإيرانية التي تُرفق أي حديث عن المفاوضات مع «طالبان» بالإشارة إلى أنها تُجري تلك المباحثات بعلم الحكومة الأفغانية واطلاعها. وهذا ما يرى فيه المحلل السياسي صابر غلعنبري حرصاً إيرانياً على عدم الوقوع في مشكلة مع الحكومة المركزية، انطلاقاً من كونها «الحكومة الشرعية» المعترف بها دولياً. من جهة أخرى، أحالت صحيفة «إيران» شبه الحكومية بداية المفاوضات الإيرانية مع «طالبان» إلى اللقاءات التي جمعت المسؤولين الإيرانيين بزعيم الحركة الملا أختر منصور، عندما زار طهران في عام 2016، مضيفةً أنّ الحفاظ على هوية «طالبان» أمام تنظيم «داعش»، بمنع عناصر الحركة من الانضمام إلى التنظيم كان أهم الملفات التي حضرت على طاولة الطرفين في ذلك الوقت، إلى جانب التباحث في سبل مكافحة تهريب المخدرات.
وتوقعت صحيفة «آرمان إمروز» الإصلاحية أن يكون تثبيت الأمن والاستقرار على الحدود الشرقية لإيران هدفاً تسعى طهران إلى تحقيقه من وراء المفاوضات الجارية مع «طالبان». وفي السياق ذاته، يسرد، لـ«الأخبار»، غلعنبري أهدافاً أخرى لتلك المفاوضات، فيقول إنّ «تعاظم داعش في أفغانستان بما يشكل خطراً على طالبان، من جهة، وخطراً على الأمن القومي الإيراني، من جهة أخرى، استدعى هذا التواصل الإيراني مع حركة طالبان لمواجهة هذا التهديد المشترك». ويلفت غلعنبري أيضاً إلى تشابك المصالح الإيرانية الروسية على الساحة الأفغانية، فيضيف أن «وجود كل من الناتو وداعش على الأراضي الأفغانية، يدفع بإيران وروسيا نحو عمل مشترك لما يشكله ذلك الوجود من قلقٍ لدى الطرفين»، لكنه يشير إلى أنّ العبء الأكبر في هذا العمل المشترك سيقع على عاتق طهران، بسبب «المشكلة التاريخية بين روسيا والشعب الأفغاني» والتي تقف عثرة أمام ولوج موسكو إلى تلك الساحة.
وعلى ضوء التقارير الإخبارية التي أفادت بإلغاء «طالبان» للمفاوضات المقررة مع الولايات المتحدة في قطر هذا الأسبوع، كشف المستشار الأعلى للقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء حسن فيروز آبادي، عن موافقة إيران على المساعدة في عملية التفاوض بين ‎«طالبان» وحكومة كابول بهدف التوصل إلى اتفاق بينهما. وفي هذا المجال، يرى غلعنبري أن «القيام بوساطة بين طالبان وحكومة كابول قد يكون أحد الأهداف الإيرانية التي تسعى طهران لتحقيقها، كي تحل بديلاً من الوساطة الأميركية بين الطرفين».


مسؤول في حكومة كابول يهاجم طهران
على الرغم من التصريحات الإيرانية المؤكدة للتنسيق مع حكومة كابول في الاتصالات الجارية مع حركة «طالبان»، وجّه مسؤول أفغاني انتقادات لاذعة للحكومة الإيرانية على خلفية التصريحات بشأن الحركة الأفغانية. وهاجم المسؤول الذي يعمل في الرئاسة الأفغانية وزارة الخارجية الإيرانية، على خلفية التصريحات بشأن حركة «طالبان» والاتصالات معها. واتهم مسؤولين إيرانيين في الخارجية، لم يسمّهم، بلعب دور الناطق باسم «طالبان» والدفاع عن عقائد هذه الحركة وأفكارها. ورأى شاه حسين مرتظاوي، وهو مساعد المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية، في تصريح لافت أمس، أن طهران تدافع عن «طالبان» لأنها «قلقة من إحلال الديمقراطية وضمان حرية المدنيين في أفغانستان». وقال إنه يوجد في السجون الإيرانية «أكثر من 350 صحافياً وكاتباً، ولا توجد حرية للإعلام، وتتعرض الأقليات الدينية والعرقية للضغوط، وإدارة طهران تخشى أن تكون الحريات المنتشرة في أفغانستان مثالاً للإيرانيين، ولهذا فهم يدافعون عن أفكار طالبان وعقائدها». ودعا المسؤولين الإيرانيين إلى الاهتمام بمشاكلهم الداخلية، متسائلاً: «أليس من الأفضل للإيرانيين الإنصات إلى أصوات الزعماء المعارضين المعتقلين أمثال مير حسين موسوي و(مهدي) كروبي، بدل تشجيع الفكر الطالباني في أفغانستان».