انطلق البرلمان البريطاني في نقاشاته حول اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، مع الاتحاد، وتمّ إقراره في بروكسيل يوم الأحد 25 تشرين الثاني/ نوفمبر. هذه النقاشات، التي تستمرّ لخمسة أيام، خيّم عليها في يومها الأول تقديم أحزاب المعارضة البريطانية طلب محاسبة وزير من حكومة ماي، بتهمة «ازدراء البرلمان»، بعد رفض المدعي العام البريطاني جيفري كوكس، نشر كامل نصّ الاستشارة القانونية الخاصة بـ«بريكست»، والتي اعتمدت عليها الحكومة في المفاوضات. وهو ما تم بالفعل بغالبية 311 نائباً صوتوا لمصلحة قرار بتوبيخ الحكومة على عدم النشر و«ازدراء البرلمان»، مقابل 293 عارضوه. موقف البرلمان، سجل أولى النقاط في مرمى ماي، وأرغمها على تقديم وعد بنشر رأي «نهائي وكامل» الأربعاء (اليوم) قبل التصويت الرئيسي المقرر الثلاثاء المقبل في البرلمان. ولم تقتصر خسارة ماي أمام البرلمان على ذلك، إذ صوت المشرعون أيضاً لمصلحة تعديل يمنح سلطات أكبر للنواب لصنع القرار في حال تم رفض الاتفاق كما هو مرجح.وقالت ماي عند افتتاح النقاشات إن الاتفاق «يستجيب لتطلعات الشعب البريطاني» الذي رأت أنه «يريد أن نمضي إلى الأمام باتفاق يحترم نتيجة الاستفتاء ويتيح لنا لم شمل البلاد، بغض النظر عن الطريقة التي نصوّت بها». يأتي ذلك في أجواء متوترة أساساً، إذ يعارض نواب من كل الاتجاهات السياسية «بريكست». وإلى جانب المعارضة العمالية ومؤيدي أوروبا في «الحزب الليبرالي الديموقراطي» والنواب الاسكتلنديين المستقلين، فإن الحزب «الوحدوي الديموقراطي» الصغير، حليف تيريزا ماي في إيرلندا الشمالية، يعارض النص، ومثله عشرات النواب المحافظين المؤيدين لقطع علاقات تام مع الاتحاد الأوروبي. وكانت رئيسة الحكومة المهدَّدة بفشل في البرلمان، قد لوّحت مراراً بالخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، مع كل التداعيات الوخيمة المحتملة على الاقتصاد البريطاني، وحذرت من أنه قد لا يحصل «بريكست» على الإطلاق. ويعتزم «حزب العمال» إطلاق مذكرة لحجب الثقة في حال لم تحصل ماي على تصويت النواب على النص. وتواجه ماي من جانب آخر بعض المشككين في أوروبا من حزبها، الساعين أيضاً للإطاحة بها.
الاستفتاء الذي نظم في حزيران/ يونيو 2016 وفاز به مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52 في المئة، ترك البلاد منقسمة بعمق. وبعد أشهر من المفاوضات، يثير النص الذي أبرم مع الاتحاد الأوروبي استياء من الجانبين. فأشد مؤيدي «بريكست» يعتبرون أن بريطانيا لن تقطع بالكامل الجسور مع الاتحاد الأوروبي، فيما لا يزال مؤيدو أوروبا يأملون بحصول خطوة إلى الوراء. والنبأ السّار بالنسبة إلى معارضي «بريكست» هو أن لندن ستتمكن من أن تقرر من جانب واحد إذا رغبت بذلك، العدول عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي كما رأى مدعي عام محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي في استشارة لا تلزم قضاة المؤسسة.
ويكسب خيار تنظيم استفتاء ثانٍ حول الخروج تأييداً متزايداً. فالاثنين سلّم نواب من «المحافظين» و«العمال» و«الليبراليين الديموقراطيين» و«الخضر» رئيسة الحكومة عريضة تحمل أكثر من مليون توقيع للمطالبة باستفتاء جديد. وقالت النائبة جاستن غرينينغ إن «ذلك هو الاحتمال الوحيد إذا وصل البرلمان إلى طريق مسدود». واتفاق الانسحاب يشمل خصوصاً فاتورة خروج بريطانيا التي تتراوح بين 40 و 45 مليار يورو، كما يضمن حقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا والمواطنين البريطانيين المقيمين في الاتحاد الأوروبي ويحدد فترة انتقالية تبدأ بعد «بريكست» المرتقب في 29 آذار/ مارس 2019، ويمكن أن تستمر حتى كانون الأول/ ديسمبر 2020.
ويتضمن أيضاً بند «شبكة الأمان» لتجنب العودة إلى حدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي وللحفاظ على السلام في الجزيرة. وهذه الآلية المثيرة للجدل التي تقوم على إنشاء منطقة جمركية واحدة تشمل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لن تدخل حيز التنفيذ إلّا بعد الفترة الانتقالية وفقط في حال عدم التوصل إلى حل أفضل بحلول منتصف 2020. ويريد النواب الذين ينتقدون تيريزا ماي أن تعيد التفاوض حول النص وهو خيار يستبعده الاتحاد الأوروبي. وبعد يومين على تصويت البرلمان البريطاني الذي سيحصل في الـ11 من الشهر الجاري، ستعود تيريزا ماي إلى بروكسيل لعقد قمة أوروبية جديدة.