من المؤكد أن ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون الملف الأكثر إشغالاً في شتاء بروكسل، بموازاة الانتخابات الأوروبية. في هذا السياق، التقى مفاوضون من الاتحاد الأوروبي لمحاولة إزالة العقبة الأخيرة قبل قمة من المقرر عقدها غداً للتصديق على الاتفاق، لكن اعتراضات أبدتها إسبانيا بشأن جبل طارق تعني أن النص النهائي قد لا يكون جاهزاً حتى اللحظات الأخيرة. وأفادت مصادر دبلوماسية، في ختام اجتماع عقد أمس، بأن مسألة مستقبل جبل طارق هي النقطة الوحيدة التي لا يزال يتعين تسويتها من أجل التوصل إلى اتفاق شامل الأحد حول «بريكست».وقال دبلوماسي في ختام اجتماع بين مندوبين عن قادة بلدان الاتحاد، قبل يومين من القمة، إن الوضع المعقد حول هذه المنطقة «يبقى المسألة الوحيدة التي لا تزال عالقة». مصدر دبلوماسي آخر علّق بالقول إنه «تم التوصل إلى حل لمسألة كانت لا تزال عالقة، وهي حقوق الأوروبيين بالصيد في المياه الإقليمية البريطانية»، فيما أضاف مصدر ثالث إن «الأمور تتقدم، نرى نوراً في نهاية النفق». أما كبير مفاوضي البلدان الـ 27 الشركاء للمملكة المتحدة في إطار الاتحاد الأوروبي، الفرنسي ميشال بارنييه، فاكتفى رداً على سؤال صحافي في ختام الاجتماع نفسه، بالقول: «نعمل بجد». من جانبها، قالت متحدثة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي «فاوضنا فعلاً بطريقة منفتحة وبنّاءة مع الاتحاد في الميادين المتصلة بجبل طارق، وعملنا بشكل وثيق مع إسبانيا».
يتم التصديق على معاهدة الانسحاب بالأغلبية لا بالإجماع


وقبل أربعة أشهر من الموعد المقرر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، باتت المعاهدة القانونية المتعلقة بالخروج وإعلان سياسي مصاحب لها بشأن مستقبل العلاقات بين الجانبين جاهزين للتصديق عليهما من قِبل ماي وزعماء دول الاتحاد. وطلبت إسبانيا تعديلات على معاهدة الانسحاب والإعلان الخاص بالعلاقات الجديدة بين أوروبا والاتحاد الأوروبي، بحيث توضح أن أي قرارات تخص منطقة جبل طارق المتنازع عليها والتابعة للتاج البريطاني ستتخذ خلال محادثات مباشرة مع مدريد. وقال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانتشيث، إن بلاده «ستعترض على مسودة الاتفاق الخاصة بخروج بريطانيا إذا لم تجر التعديلات». وكتب على موقع «تويتر»: «بعد المحادثة التي أجريتها مع تيريزا ماي، تظل مواقفنا متباعدة. ستدافع حكومتي دوماً عن مصالح إسبانيا. وإذا لم تجر تغييرات فسنعترض على اتفاقية الخروج».
ووفقاً لقواعد بروكسل، فإن التصديق على معاهدة الانسحاب يكون بالأغلبية وليس بالإجماع، ومن ثم فإن دولة واحدة لا يمكنها عرقلة التصديق. غير أن زعماء الاتحاد يسعون إلى الوحدة في ما يتعلق بهذا الأمر البالغ الحساسية سياسياً. وتواجه «بريكست» معارضة قوية في البرلمان البريطاني الذي لا بد أن يؤيد الاتفاق حتى يتسنى سريانه، وإلا فستخاطر لندن بالخروج من الاتحاد في 29 آذار/ مارس 2019 دون اتفاق يخفف من وطأة التغيرات الاقتصادية التي ستطرأ. وإصراراً منها على عدم السماح لأي إعادة لصياغة أي من النصين بإخراج العملية الهشة بالفعل عن مسارها، اقترحت دول الاتحاد التعامل مع بواعث قلق إسبانيا في بيان منفصل من جانب الزعماء الـ 27 غداً.
وكانت تيريزا ماي قد أعلنت، ليل الخمس، أن المفاوضات باتت في مرحلة «حاسمة»، ودعت في كلمة لها في مجلس النواب إلى «تركيز كل جهودنا على التعاون مع شركائنا الأوروبيين من أجل إنجاز هذه الآلية بعد أجل بما يخدم مصلحة جميع المواطنين»، مؤكدة أنه «سنحمي السيادة البريطانية على جبل طارق بعد بريكست»، وذلك غداة مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسباني. وستعود ماي اليوم إلى بروكسل لإنجاز تفاصيل المفاوضات عشية القمة. وشددت عدة دول أوروبية في الكواليس على وجوب تسريع المفاوضات ومنح العواصم مهلة كافية للنظر في الوثائق، وإلا فقد يتم تأجيل القمة، وفق ما حذر عدة دبلوماسيين. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر دبلوماسي قوله إن «فرنسا وألمانيا متفقتان على أنه لا ينبغي إجراء مفاوضات خلال المجلس الأوروبي (الأحد) ويجب بالتالي أن تكون النصوص جاهزة مسبقاً». وأوضح مصدر دبلوماسي آخر «إنه توازن يصعب إيجاده»، فالدول الـ 27 لا تريد نصاً يوزع «في اللحظة الأخيرة» لكنها «تدرك أن ماي بحاجة إلى بعض التشويق لتثبت أنها تفاوضت حتى اللحظة الأخيرة».