تعالت القهقهات من داخل قاعة مجلس العموم البريطاني، أمس، خلال دفاع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، عن اتفاق ينظم عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، توصل إليه المفاوضون البريطانيون والأوروبيون مطلع الأسبوع الجاري، ووافقت عليه الحكومة البريطانية أول من أمس. وعلى رغم تقديم أربعة وزراء استقالتهم في يوم واحد اعتراضاً على المسودة، التي دعمتها الغالبية بعد اجتماع استغرق 5 ساعات ليل الأربعاء، تمسكّت ماي بما وصفته بـ«الانفصال السلس والممنهج من الاتحاد الأوروبي، في 29 مارس/آذار 2019». متجاهلة صيحات الاستهجان وموجات الضحك وتصاعد الهمهمات، قالت ماي إن الاتفاق «يضع إطاراً لعلاقة مع الاتحاد تتماشى مع المصالح القومية لبريطانيا»، ولكن في الوقت نفسه يمنح البلاد «القدرة على استعادة السيطرة على حدودها وقوانينها وأموالها، كما يحمي الوظائف والأمن في البلاد».وجاء ذلك بعد استقالة أربعة وزراء من الحكومة البريطانية، هم: وزيرة العمل والتقاعد إيستر مكفي، ووزيرة «بريكست» سويلا برافرمان، ووزير الدولة لشؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي دومينيك راب، وزير الدولة لشؤون أيرلندا الشمالية شايلش فارا. وتعليقاً على جملة الاستقالات، أقرت ماي بأن مسودة الاتفاق «مليئة بخيارات صعبة لنا جميعاً، ولا نتفق مع جميع هذه الخيارات»، مؤكدة «إنني أحترم وجهات نظرهم (المستقيلين)، وأعرب عن شكري لما قدموه حتى اليوم».
من المتوقع أن تواجه ماي مقاومة أقوى عند إحالة النص إلى البرلمان


وبعد حصول ماي على دعم غالبية الوزراء للمضي قدماً بالمسودة، أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أمس، عن عقد قمة أوروبية في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق قبل طرحه للتصويت في البرلمان البريطاني. ومن المتوقع أن تواجه ماي مقاومة أقوى عند إحالة النص المكون من 585 صفحة إلى البرلمان من أجل إقراره منتصف كانون الأول/ ديسمبر المقبل.

أبرز بنود المسودة
تهدف البنود الرئيسية في الاتفاق إلى تجنب انفصال تام بين إيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، ومقاطعة إيرلندا الشمالية، وحماية حقوق المواطنين، وتسديد الفاتورة النهائية لخروج بريطانيا. في ما يخص الملف الإيرلندي، يحدد الاتفاق أطر ترتيبات «لشبكة أمان» لمنع عودة النقاط الحدودية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا في حال فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق حول التبادل التجاري الحر بعد فترة انتقالية مدتها 21 شهراً. وفي مسعى لتبديد قلق بريطانيا إزاء انفصال إيرلندا الشمالية عن بقية بريطانيا، وافق الطرفان على إقامة منطقة جمركية موحدة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وبناء على ذلك، ستطبق إيرلندا الشمالية قواعد السوق الأوروبية الموحدة في ما يتعلق بحركة جميع البضائع بما فيها الزراعية. في الوقت نفسه، بإمكان الشركات التجارية الإيرلندية الشمالية جلب البضائع إلى السوق الموحدة من دون قيود وسيحافظ اقتصادها على قدرته في الوصول من دون عوائق إلى بقية أنحاء بريطانيا. وفي المنطقة الجمركية البريطانية ــ الأوروبية الموحدة، ستصل البضائع البريطانية من دون رسوم أو حصص محددة إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي الـ27.
أما في ما يخص الفترة الانتقالية، التي تنتهي في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ستطبق خلالها قوانين الاتحاد الأوروبي لمنح الإدارات الوطنية والمؤسسات والشركات التجارية الوقت الكافي للاستعداد لارتباطات جديدة. ويعني ذلك أن بريطانيا ستواصل المشاركة في الاتحاد الجمركي الأوروبي والسوق الموحدة. وفي حين تستطيع بريطانيا الوصول إلى أسواق بقية دول الاتحاد الأوروبي، ستفقد الحق في التصويت على أي قرارات تتخذها بقية الدول الأعضاء في التكتل والمفوضية والبرلمان الأوروبيين.
وتحافظ المسودة على حقوق مليون بريطاني يقيمون في بلدان الاتحاد الأوروبي وأكثر من ثلاثة ملايين مواطن من الاتحاد الأوروبي يعيشون في بريطانيا. ويشمل ذلك أيضاً جميع المواطنين الذين يصلون قبل انتهاء الفترة الانتقالية. أما في ما يخص التزامات بريطانيا المالية المستحقة للاتحاد، تدعو المسودة إلى تسوية عادلة بالنسبة لدافعي الضرائب البريطانيين والتي تقدرها الحكومة البريطانية بنحو 39 مليار جنيه استرليني (44 مليار يورو أو 51 مليار دولار). وبمعزل عن اتفاق الانسحاب، لا يزال على الطرفين التفاوض على شكل علاقتهما المستقبلية، خصوصاً في ما يتعلق بالتجارة.