أعلنت النمسا اليوم، عن بدئها تحقيقاتٍ بشأن ما إذا كان كولونيلاً سابقاً في الجيش قد تجسّس لحساب روسيا لعدّة عقود، وفق ما أكّد المستشار النمسوي، سيباستيان كورتز، في فصل جديد من ملفّ اتهامات متكرّرة لموسكو بالتجسّس على دول الاتحاد الأوروبي.يأتي هذا فيما تعتبر العلاقة بين النمسا، التي لا تنتمي إلى «حلف شمالي الأطلسي»، وروسيا، جيّدة، وخصوصاً منذ انضمام «حزب الحرية» النمسوي اليميني إلى الحكومة الائتلافية في كانون الأوّل/ ديسمبر 2017، ما جعلها محطّ شكٍّ من حلفائها الأوروبيين.

مشاورات مع الحلفاء
وفق المستشار، فإنّ الكولونيل المتقاعد البالغ من العمر 70 عاماً، يشتبه في أنه بدأ العمل مع الاستخبارات الروسية في تسعينيات القرن الماضي، واستمر حتى عام 2018.
كذلك، أكّد مكتب المدعي العام في مقاطعة سالزبورغ التحقيق مع الكولونيل بجرم كشف أسرار الدولة. بدورها، استدعت وزيرة الخارجية النمسوية، كارين كنايسل، القائم بالأعمال الروسي في فيينا على خلفية القضية، وألغت زيارة مقررة لموسكو. في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها ستستدعي السفير النمسوي لمناقشة المسألة.
في المؤتمر الصحافي، اعتبر كورتز أن تلك الاتهامات المتكررة بالتجسّس، في حال تأكيدها، «إن كانت في هولندا أو في النمسا»، فإن ذلك «لا يمكنه أن يسمح بتحسين العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا». ويقصد كورتز هنا، طرد هولندا أربعة من الروس، تقول إنهم «عملاء استخبارات»، في نيسان/ أبريل الماضي، للاشتباه في أنهم خطّطوا لشنّ هجوم إلكتروني على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي. وتابع المستشار النمسوي أن «التجسّس الروسي في أوروبا غير مقبول ويجب أن يُدان»، مضيفاً إن النمسا «تطالب بمعلومات شفافة من الجانب الروسي»، وستجري مشاورات مع حلفائها الأوروبيين بشأن الخطوات التالية.
بعد إعلان النمسا، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه تلقّى «مفاجأة غير سارة» بعد سماع أخبار عن الاشتباه في تجسس كولونيل نمساوي متقاعد لصالح موسكو. وطالب بـ«إيضاحات بشكل مباشر»، وفقاً «لقواعد الاتصال الدولية».

الهدف: أنظمة أسلحة
في المؤتمر الصحافي نفسه، قال وزير الدفاع النمسوي، ماريو كوناسيك، إن القضية تكشّفت «قبل بضعة أسابيع» إثر معلومات من وكالة استخبارات أوروبية أخرى، مضيفاً إنه «لا يمكننا القول حالياً ما إذا كانت حادثة معزولة أو لا». وأكد أن الكولونيل سلّمه «معدات تقنية»، منها جهاز كمبيوتر محمول يتم تفحصه حالياً.
وتابع كوناسيك أن الكولونيل قال خلال استجوابه إن الروس كانوا مهتمّين «بأنظمة أسلحة، خلال وضع الهجرة الذي كان سائداً في النمسا في السنوات القليلة الماضية». وأضاف إن القضية تشير إلى أنه «حتى بعد نهاية الحرب الباردة، استمرّت عمليات التجسّس، وتظهر لنا الحاجة لتشديد شبكتنا الأمنية داخل النمسا وفي وزارة الدفاع». ووفق تقارير وسائل إعلام نمسوية، فإن الكولونيل تلقّى 300 ألف يورو (340 ألف دولار) لقاء خدماته.

علاقة النمسا بروسيا: محطّ شكوك
يرتبط «حزب الحرية» الذي ينتمي إليه وزيرا الدفاع والخارجية، بـ«معاهدة تعاون» مع حزب «روسيا المتحدة» بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين منذ عام 2016. وزيرة الخارجية أثارت جدلاً أيضاً بدعوتها بوتين إلى حفل زفافها كضيف شرف، الصيف الماضي. كما أن النمسا هي إحدى الدول الأوروبية القليلة التي لم تطرد دبلوماسيين روسيين في أعقاب حادثة تسميم الجاسوس السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا في آذار/ مارس 2018.
فضلاً عن ذلك، أقرّ وزير الداخلية، هيربرت كيكل، المنتمي إلى «حزب الحرية» في أيلول/ سبتمبر الماضي، بأنه طُلب من النمسا اتخاذ «تدابير لبناء الثقة» من أجل الحفاظ على التعاون مع أجهزة استخبارات الحلفاء، وذلك في أعقاب تقارير ذكرت أن أجهزة استخبارات غربية تشعر بقلق متزايد إزاء مشاركة معلومات مع النمسا، خشية إمرارها لموسكو.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، نشرت أسبوعية «فالتر» النمسوية ما قالت إنه وثيقة من وكالة الاستخبارات الداخلية الفنلندية تطلب فيها معلومات من دول شريكة، لكنها تستثني بشكل خاص «وكالة حماية الدستور ومكافحة الإرهاب» النمسوية.