حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من إسرائيل على نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، والتي جرت أول من أمس. من جهة، ما زال من المبكر الحديث عن تغيّرات مهمة على صعيد السياسات الداخلية والخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة؛ إذ أن الجمهوريين الداعمين لإسرائيل حافظوا على مجلس الشيوخ، وهو ما يشير إلى أنه لن يحدث تغيير حقيقي في السياسة الخارجية تجاه المنطقة عامة، وإسرائيل خصوصاً. من جهة ثانية، قد تشير سيطرة الديمقراطيين على مجلس النوّاب، إلى أن ذلك «قد يدفع الرئيس، دونالد ترامب، إلى الاهتمام أكثر بالعلاقات الخارجية، وخصوصاً في ما يتعلق بإنجاز صفقة القرن»، كما عبّر عن ذلك نائب الوزير للشؤون الدبلوماسية في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، مايكل أورن.أورن، الذي كان سفيراً سابقاً لتل أبيب لدى الولايات المتحدة، رأى أن «نتائج الانتخابات ستؤثر على إسرائيل؛ حيث ستدفعها إلى بذل جهود مضاعفة في أوساط الديموقراطيين واليهود الليبراليين (الذين ازداد الشرخ بينهم وبين إسرائيل أخيراً)». وهو أمر حذّر منه في السابق، وتحديداً في بداية العام الحالي، عقب نشر نتائج لاستطلاع رأي أظهرت أن الديموقراطيين في الولايات المتحدة «يتعاطفون مع الفلسطينيين بالقدر نفسه الذي يتعاطفون فيه مع الإسرائيليين». وفي حينه، قال أورن لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إنه «يتوجب علينا (على إسرائيل) اتخاذ قرار بوضع هدف استراتيجي للفوز مجدداً، بدعم الحزب الديموقراطي لنا»، موضحاً أن «هذه الجهود تتطلب موارد وموظفين... صحيح أن وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، برئاسة الوزير غلعاد إردان، قد كُلفّت بمحاربة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) المناهضة لإسرائيل، ولكن هذه الأخيرة مجرّد سُعال أمام الديمقراطيين الذين هم بمثابة إنفلونزا».
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليوم، عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها: «لن يشعر أحد بالفارق في مجلس الشيوخ بشأن العلاقة مع إسرائيل، وذلك لأنه ظل تحت سيطرة الجمهوريين. أمّا الصورة في مجلس النواب فهي أكثر تعقيداً؛ حيث دخل عدد من النواب بينهم مسلمون يتمسكون بمواقف من الواضح أنها معادية لإسرائيل».
ولكن هذا الوضع المستجد قد لا يؤثر كثيراً على إسرائيل؛ إذ من سيترأس اللجان المهمة والمؤثرة في مجلس النوّاب هم ديموقراطيون يُعتبرون داعمين لإسرائيل. وأبرز هؤلاء عضو الكونغرس الذي سيترأس لجنة العلاقات الخارجية، إليوت أنجل. كذلك يُتوقع، بحسب الصحيفة، أن يترأس خمسة ديموقراطيين يهود لجاناً مهمة في مجلس النواب، على رأسهم آدم شيف من ولاية كاليفورنيا، الذي سيترأس لجنة الاستخبارات في المجلس.
المراسل السياسي للصحيفة من نيويورك، إيتمار آيخنر، والذي تابع الانتخابات هناك، رأى أن «أحد الاختبارات الأولية للقيادة الجديدة للديموقراطيين، هي اختيار أعضاء الكونغرس الذين يعتبرون معادين أو ناقدين لإسرائيل في لجان تعمل في العلاقات الخارجية». وعلى ذلك، علّق القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك، داني ديان، الذي رأى أنه «يجب متابعة تدحرج الأمور، فإذا قرروا (الديموقراطيون) وضعهم (ناقدي إسرائيل) في لجان تعمل في الشؤون الداخلية، فإن ذلك سيكون بمثابة رسالة تفيد بأنهم غير معنيين بمواجهة مع إسرائيل».
من سيترأس اللجان المهمة والمؤثرة في مجلس النوّاب هم ديموقراطيون داعمون لإسرائيل


من جهة ثانية، كشف ديّان أنه التقى، في الشهور الأخيرة، مع كل أعضاء الكونغرس الجدد في نيويورك ونيو جيرسي وبنسلفانيا، ونسج معهم علاقات عمل، في حين تولى مسؤولو اللوبي الإسرائيلي في واشنطن (إيباك) الاجتماع مع كلّ المرشحين للانتخابات. ونقل آيخنر عن كبار المسؤولين في الحزب الديموقراطي قولهم إن «هناك كثيرين من أعضاء الكونغرس الذين انتخبوا من قبل الحزب هم داعمون لإسرائيل، ولذلك لا داعي لأن تبدي الأخيرة أي قلق». لكنه قال أيضاً إن جهات مقربّة من الحزب الجمهوري حذّرت من أنه يتوجب على إسرائيل أن تقلق من النتائج، لأن «الحزب الديمقراطي يتحوّل تدريجياً إلى يساري وتقدمي أكثر، وبالنتيجة يعني ذلك معاداة أكثر لإسرائيل».
المشكلة الأساسية بالنسبة إلى إسرائيل في أوساط الرأي العام الأميركي هي من شريحة الشباب، كما قال آيخنر، مضيفاً: «سواء كان هؤلاء الشباب من اليهود أو غير اليهود». واستند بذلك إلى استطلاعات رأي أُجريت، أخيراً، أشارت إلى أن نسبة التصويت لدى هؤلاء ارتفعت في الانتخابات الأخيرة بـ50 في المئة مقارنة مع الانتخابات السابقة. وهو ما يعني بالنتيجة إضافة 22 مليون مصوّت شاب في انتخابات 2020. هؤلاء بحسبه، يرون في إسرائيل «الجانب السيئ من الصراع»، ولذلك فإنه يرى بقوة الناخبين الديمقراطيين في الولايات المتحدة، إنذاراً تمهيدياً للانتخابات الرئاسية المقبلة. «على نتنياهو أن يتحضر لاحتمال خسارة صديقه (ترامب) في البيت الأبيض لصالح مرشح ديمقراطي»، قال المراسل السياسي.
مع ذلك، قد يُنظر إلى كلام آيخنر على أنه غير واقعي؛ حيث لا يزال من المبكر التحدث عن نتائج انتخابات ستجري بعد عامين، في دولة أثبتت عبر التاريخ أن دعمها لإسرائيل هو خط ثابت في سياستها الخارجية. يأتي ذلك فضلاً عن أن 79 في المئة من الناخبين الأميركيين اليهود اختاروا الديموقراطيين، لسبب وحيد هو أن المشاكل الداخلية، الاجتماعية والاقتصادية، الأميركية هي العامل الأكثر مدعاة للقلق بالنسبة إليهم. وبغض النظر عمّا إذا كان عدم اعتماد المرشحين الديموقراطيين على التبرعات الكبيرة أمر يقلّص مدى تأثير كبار المتبرعين اليهود عليهم، فإن منظمة «جي ستريت» الداعمة لإسرائيل نجحت في تسجيل إنجاز كبير بفوز 120 مرشحاً ديموقراطياً من الذين دعمتهم. وكما عبر رئيسها، جيرمي بن عامي، فإن هذه النتائج ليست مرتبطة بإسرائيل، وإنما «حقيقة أن الناخبين أطاحوا بكثير من حلفاء الرئيس (ترامب)، تعني أن الأميركيين قالوا لا للكراهية وللعنصرية ولخيار الحرب في الشرق الأوسط. لقد انتخبوا كونغرس يعمل بمسؤولية للجم ترامب وسياسته».

تهديد استراتيجي؟
بالعودة إلى نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه «معهد بيو للأبحاث» في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، يقرأ السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، مايكل أورن، النتيجة بأنها «تهديد استراتيجي لإسرائيل»؛ حيث أظهرت النتائج في حينه أن 27 في المئة من الديموقراطيين «يتعاطفون مع إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين»، مقارنة بـ25 في المئة من الديمقراطيين، الذين «يتعاطفون مع الفلسطينيين». أمّا الجمهوريون، فـ79 في المئة منهم «يتعاطفون ويؤيدون إسرائيل»، و6 في المئة فقط «يتعاطفون مع الفلسطينيين».
كلام أورن كان نابعاً من كون الانقسام بين الحزبين بشأن دعم إسرائيل «يعتبر الأكبر منذ 40 عاماً». ففي عام 1978 كانت النسب متقاربة (49 في المئة من الجمهوريين و44 في المئة من الديموقراطيين، عبرّوا عن تعاطفهم ووقوفهم إلى جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين). هذه النسب ظلت ثابتة عند الديموقراطيين لمدى عقدين، وفقط في عام 2001 ظهر انخفاض فيها فعبّر 38 في المئة من الديموقراطيين عن دعمهم لإسرائيل، فيما ارتفعت النسبة عند الجمهوريين إلى 79 في المئة.
أورن يشير إلى أن في إسرائيل مدرستين حول هذا الموضوع، الأولى تعتقد بأن «خسارة الدعم الديموقراطي لإسرائيل هو مشكلة استراتيجية وعلينا تخصيص موارد وموظفين لمعالجتها». أما الثانية، فتعتقد بأنه «فات الأوان، وأي أموال قد تُستثمر في هذه المسألة ستذهب سدى، ولذلك علينا (على إسرائيل) توجيه هذه الموارد في إطار تعزيز القاعدة القويّة الداعمة أساساً».
غالبية المسؤولين والوزراء في حكومة نتنياهو يتبنّون، بحسب أورن، المدرسة الثانية. كلامه هذا يتفق معه أيضاً زميله السابق في المنصب نفسه، سالاي مريدور، الذي عبّر عن أن «انخفاض المؤيدين لإسرائيل في صفوف الديموقراطيين هو تطور مقلق للغاية». وذلك على اعتبار أن «بالنسبة لإسرائيل، دعم الشعب الأميركي من كلا الحزبين هو رصيد استراتيجي».
مع ذلك، على إسرائيل أن لا تقلق، ففي الأشهر الأخيرة كثيراً ما تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمعطيات بحث أجراه معهد «غالوب»؛ والتي أظهرت أن الدعم الأميركي للفلسطينيين لا يزال منخفضاً نسبياً، في حين أن الدعم لإسرائيل متصاعد. وأنه حتى خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، استمر دعم الأميركيين لإسرائيل بالارتفاع، رغم الخلافات بشأن المفاوضات مع الفلسطينيين، وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران.