رحّبت تل أبيب الرسمية باستئناف العقوبات الأميركية على إيران، معلنة عن تقديرات جاءت مفرطة جداً وصلت إلى حد الحديث عن سقوط النظام في طهران. في المقابل، لم يخف المعلقون والخبراء تشكيكهم بجدوى العقوبات وإمكانات تأثيرها الفعلي، على نقيض الرواية الرسمية.الواقع أن تداعيات العقوبات حلّت على الإيرانيين وبحدّها الأقصى الممكن قبل أن تدخل العقوبات حيّز التنفيذ، إن لجهة تراجع قيمة العملة أو انسحاب عدد من الشركات والمستثمرين، أو لجهة رفع الأسعار، وكذلك، وهو الأهم من جهة الأميركيين والإسرائيليين، رد فعل الشارع الإيراني وانتفاضته على النظام. المشهد الإيراني، الذي تفاعل مع التبعات منذ أشهر، بات حالياً يتساوق معها، فيما يسير الروتين اليومي على حاله بلا تغييرات كبيرة، وخاصة أن الصدمة النفسية التي تعدّ أهم عامل مؤثر في العقوبات الحالية وجرائها، انتهت قبل أن تبدأ مسبباتها الفعلية.
مع ذلك، تبدو تل أبيب في حالة إنكار رسمية ومكابرة. ليس لأنها ترفض الإقرار بالواقع والتقدير بناء عليه، بل لأنها لا تقوى على التصريح بالتقديرات كما هي مع ما يستتبع منها التمسك بالمعلن، إذ إن خيار العقوبات في الواقع هو خيار بديل وليس أصيلاً، فيما الأصيل، وهو الخيار العسكري، متعذر وبات أكثر تعذّراً في ظل انكفاء الجهة القادرة على خوضه، أي الإدارة الأميركية، رغم صورة الاقتدار التي يريد الرئيس دونالد ترامب التمظهر بها تجاه الإقليم. من شأن ذلك، أن يدفع إسرائيل إلى التمسك بالخيارات البديلة غير العسكرية، أي خيار العقوبات والضغط الاقتصادي: ما لم يكن باتجاه إسقاط النظام أو تغيير سياسته الخارجية، فالحد الأدنى إزعاجه ووضعه إن أمكن في تموضع دفاعي، وإن من ناحية اقتصادية.
يدلين: لدى هذا النظام الوسائل التي تكفل له عدم السقوط


مع ذلك، لم يتماش المعلقون والخبراء في تل أبيب مع الرواية الرسمية، كما أعلن عنها على لسان رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، وكذلك الاستخبارات العسكرية. الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، الرئيس الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي، اللواء عاموس يدلين، أشار في تعليق مشكّك بفاعلية العقوبات، أن من الصعب تقدير تغيير النظام في إيران جراء العقوبات، إذ «لدى هذا النظام الوسائل التي تكفل له عدم السقوط، وخاصة أن الجيش الإيراني وكذلك الحرس الثوري يقفان إلى جانبه، مع تأييد كبير جداً من المؤسسة الدينية، ولديه من الأموال والموارد الاقتصادية ما يكفيه مدة خمس سنوات تحت حصار مطبق». وأضاف إن «العقوبات المقررة حالياً غير كاملة، وهي تأتي من جانب واحد وهو الولايات المتحدة الأميركية، على خلاف العقوبات السابقة التي شاركت فيها مجموعة دول مؤثرة إلى جانب الأميركيين، ما يعني أنها ستكون أقل فاعلية، وإن أدت عملياً إلى صعوبات في الاقتصاد الإيراني».
القناة العاشرة العبرية، في تقرير لها، وافقت يدلين، وشكّكت بفاعلية العقوبات وتأثيرها الكامل كما يراد لها. بحسب التقرير، الشك قائم ولا لبس فيه، ذلك أن ترامب يقف حالياً وحيداً في وجه إيران مع عقوباته وإن كانت واسعة جداً، قياساً بعقوبات الرئيس السابق باراك أوباما، الذي دعمه تحالف دول شددت ونفذت إلى جانبه بشكل كامل كل العقوبات التي كانت مفروضة على إيران. وذكرت القناة أن العقوبات الحالية تتضمن قيوداً لا سابق لها على الاقتصاد الإيراني، بل هي أوسع من العقوبات السابقة في فترة إدارة أوباما، لكن مسألة تنفيذها وفرضها تثير علامات استفهام، وخاصة أن هناك ثماني دول حصلت على إعفاء مؤقت، لشراء النفط الإيراني.
وطلبت صحيفة «إسرائيل اليوم» خفض سقف التوقعات، وشددت على أن المرحلة الحالية وما فيها من عقوبات، هي مرحلة حيوية في نضال طويل جداً في مواجهة إيران وتطلعاتها النووية والإقليمية والدينية. وأشارت إلى أن الهدف من العقوبات هو حشر القيادة الإيرانية ودفعها إلى اتخاذ قرارات مختلفة عما هي عليه الآن «وهناك أمل في الولايات المتحدة وإسرائيل بأن الضغط الاقتصادي سيؤدي إلى إسقاط السلطة في إيران، لكن هذه النتيجة بعيدة المنال، رغم كل ما يجري في إيران، فالنظام قوي كفاية، ولا يوجد ما هو متراكم في وجهه، وقادر على تقويضه».
من جهته، شدّد المسؤول السابق عن الساحة الإيرانية في الاستخبارات العسكرية، الباحث الحالي في مركز القدس للدراسات، ميكي سيغل، على أنّ «العقوبات كما ترد من الولايات المتحدة، لن تكسر إرادة القيادة الإيرانية ولن تدفعها إلى التراجع ولن توقف البرنامج النووي». وأضاف إن «طهران استعدت جيداً في الفترة الأخيرة لمواجهة العقوبات وتفعيل اقتصاد حرب، منذ ولاية الإدارة الأميركية السابقة، وضمن فرضيات وسيناريوات استعداد مسبق في حال عدم توقيع أوباما على اتفاق نووي، يتماشى مع مصالحهم».