لم يحمل اليوم الأول للعقوبات الأميركية على إيران تطورات مفاجئة. وعلى رغم من ارتفاع أسعار النفط بشكل طفيف (50 سنتاً ليسجل سعر البرميل 73.63)، لم تشهد الأسواق الإيرانية التي استعدت لدخول إجراءات الحظر تبدلات تذكر، خصوصاً على صعيد العملة المحلية. وفيما تصدرت التصريحات التصعيدية لكل من المسؤولين الإيرانيين والأميركيين، أعلن نظام «سويفت» بطريقة غير مباشرة التزامه بالعقوبات، وهو ما كان متوقعاً أن يقدم عليه. ومن دون ذكر العقوبات، أعلنت شركة «سويفت» (مقرّها بروكسل) تعليق وصول بعض البنوك الإيرانية إلى شبكتها بحجة «دعم صلابة النظام المالي العالمي ونزاهته». وجاء في بيان الشركة «تعلق سويفت وصول بعض البنوك الإيرانية إلى شبكتها للتراسل... إن هذا الإجراء، رغم أنه مؤسف، اتخذ من أجل مصلحة واستقرار ونزاهة النظام المالي العالمي في مجمله». وقلّلت طهران من أهمية الإجراء، وقال محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي «أجرينا محادثات مع شركائنا التجاريين، وتم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواصلة المعاملات الإيرانية»، مضيفاً «كنا نتوقع تلك العقوبات، ولذا وضعنا خططاً لها وما بعدها... وأخذاً في الاعتبار احتمال فصل البنوك عن نظام سويفت، درسنا بدائل لاستبداله». من جهته، قال وزير الاقتصاد الإيراني، فرهاد دج بسند، إن بلاده لديها إمكانات وآليات «ممتازة» لاجتياز مرحلة الخطر «وفق خطة محكمة».وليس معلوماً بعد إذا ما كان عدم تجاوب أسواق النفط بشكل كبير مع العقوبات ناجم فقط عن تقديم واشنطن استثناءات لثماني دول، هي: إيطاليا، اليونان، اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، الهند، الصين، بشرط وضع المبلغ الذي تشتري به في حساب ضمان يتحكم فيه طرف ثالث، وأن تستفيد طهران من العائدات فقط في «الأغراض الإنسانية». ويرى الباحث في معهد «بيترسون» للاقتصاديات الدولية بواشنطن، جاكوب فنك كيركغارد، أن العقوبات «ستضع بدون شك ضغوطاً تصاعدية على أسعار النفط»، ومن شأنها أن ترفع سعر البرميل إلى 100 دولار. لكن كيركغارد يشكك في أن «الرئيس (الأميركي) دونالد ترامب سيذهب إلى هذا الحد». موقف ترامب هذا سيتضح أكثر بعد ستة أشهر، موعد انتهاء الاستثناءات للدول المعفاة، وإذا ما كانت واشنطن ستمدد الإعفاء أو تضغط من جديد لتصفير هذه الدول وارداتها من النفط الإيراني، وهو ما يهدد بارتفاع كبير لسعر البرميل لا تريده الولايات المتحدة.
واستهلت الولايات المتحدة، أمس، إدخال العقوبات حيز التنفيذ، بمؤتمر صحافي جمع وزيري الخارجية مايك بومبيو، والخزانة ستيفن منوتشين. وقال بومبيو «أمام النظام الإيراني خيار: إما ينعطف بزاوية 180 درجة من مساره الخارج عن القانون ويتصرف كدولة عادية، أو سيرى انهيار اقتصاده». وأشار إلى أن «أكثر من 20 دولة قطعت بالفعل وارداتها من النفط الإيراني، ما تسبّب في تراجع صادرات طهران من النفط بمعدل مليون برميل باليوم»، مع خسارة «أكثر من 2,5 مليار دولار». بدوره، أعلن منوتشين إضافة 700 فرد وكيان وشركة طيران ونقل بحري إلى قائمة العقوبات. وشملت العقوبات منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وأفرعها، والأفراد المرتبطين بها. وهذه العقوبات لن تكون نهاية المطاف، بحسب ما هدّد مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي توعّد بعدم اكتفاء إدارة ترامب بمستوى العقوبات التي كانت أقرّتها إدارة السلف باراك أوباما، قائلاً «سيكون هناك عقوبات ستذهب أبعد من هذا الحد... المزيد قادم».
الإعلان الأميركي ردّ عليه الرئيس الإيراني حسن روحاني بالقول «أعلن أننا سنلتفّ بفخر على عقوباتكم غير المشروعة والظالمة، لأنها تخالف القوانين الدولية». وتابع روحاني «نحن في وضع حرب اقتصادية ونواجه قوة متغطرسة. لا أعتقد أنه في تاريخ أميركا دخل شخص إلى البيت الأبيض وهو يخالف إلى هذا الحد القانون والاتفاقيات الدولية». وأضاف «اليوم، معظم دول العالم تقف في وجه أميركا وتدعم مواقف إيران... حتى الشركات والحكومات الأوروبية غاضبة من السياسات الأميركية».
وفي المواقف الخارجية، رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما اعتبره «يوماً تاريخياً»، شاكراً ترامب على «القرار الشجاع». وفيما حطّ وفد تركي من رجال أعمال وصناعيي القطاع الخاص التركي في طهران لبحث التعاون التجاري، قال نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، إن بلاده صاغت موقفها من العقوبات. وأضاف: «توقع التزام جميع الدول بقرارات عقوبات وضعتها دولة ما وفق مقتضيات مصالحها، أمر لا معنى له وغير عادل». واستنكرت حركة «حماس» إعادة فرض العقوبات، ورأت أنها تهدف إلى «زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وإضعاف عوامل ومقومات الصمود».