غداة انسحاب واشنطن من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة وقصيرة المدى، تتوالى تصريحات المسؤولين الروس المندِّدة بخطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجِئة، تلك التي جاءت على ما يبدو بدفعٍ من مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون.آخر تلك التصريحات جاء، صباح اليوم، على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي قال إن الانسحاب الأميركي من المعاهدة النووية، التي تم توقيعها خلال الحرب الباردة، هو «خطوة خطيرة للغاية». وفي حديث لوكالة «تاس» الروسية، عبّر ريابكوف عن قلق بلاده وإدانتها لـ«المحاولات الأميركية الجديدة الهادفة إلى الحصول على تنازلات من روسيا في مجال الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي عن طريق الابتزاز»، معيداً إلى الأذهان موقف الجانب الروسي، الذي قال «أكثر من مرة إنه ليس لدى الولايات المتحدة أي أسس للقول إن روسيا تنتهك هذه المعاهدة». ريابكوف رأى، كذلك، أن الولايات المتحدة «لم تتمكن، منذ سنوات طويلة، من تأكيد اتهاماتها الملفقة بتقديم تفسيرات واضحة بشأن أسباب ذلك»، مستدركاً بالقول إن وجود المعاهدة بشأن إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، «يُعرقل النية الأميركية لتحقيق سيطرتها الكاملة في المجال العسكري». وفي ختام تصريحه، طالب ريابكوف جون بولتون، الذي وصل إلى موسكو، اليوم، لمواصلة المحادثات التي كانت بدأت في هلسنكي بين البلدين، بتقديم «شرح واضح» للخطوات الأميركية التالية بشأن مصير المعاهدة. وأشار إلى أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سيلتقي بولتون يوم غد (الاثنين).

الخطوة جاءت بدفعٍ من مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون (أ ف ب )

واشنطن «تحلم بعالم أُحادي القطب»
انسحاب واشنطن من المعاهدة التي أبرمت مع موسكو عام 1987، والذي برّره ترامب أمس بانتهاك روسيا «منذ سنوات عديدة» للمعاهدة، استدعى كذلك رداً قاسياً من مصدر في وزارة الخارجية الروسية، نقلته وكالة «ريا نوفوستي» الحكومية، رأى أنّ «الدافع الرئيسي للولايات المتحدة هو الحلم بعالم أحادي القطب».
وفيما شكك المصدر الروسي، الذي بقي مجهول الهوية، في تحقُّق ذلك، اتهم واشنطن بـ«تعمُّد» تقويض هذه المعاهدة منذ سنوات»، معتبراً أن هذا القرار «يندرج في إطار السياسة الأميركية الرامية إلى الانسحاب من هذه الاتفاقيات القانونية الدولية، التي تضع مسؤوليات متساوية عليها وعلى شركائها، وتقوّض مفهومها الخاص لوضعها الاستثنائي». وفي هذا الإطار، ذكّر المصدر بمَسار السياسية الأميركية نحو إلغاء الاتفاق النووي، الذي «ندّدت به موسكو مراراً».
من جانبٍ آخر، اعتبر السناتور الروسي أليكسي بوشكوف، في تغريدة على موقع «تويتر»، أنّ الانسحاب الأميركي من المعاهدة هو «ثاني ضربة قوية تتلقّاها منظومة الاستقرار الاستراتيجي في العالم»، مذكّراً بأنّ الضربة الأولى تمثّلت بانسحاب واشنطن من «معاهدة الصواريخ المضادة للبالستية» في عام 2001. لتصبح الولايات المتحدة بذلك «الطرف الذي بادر مجدداً للانسحاب من المعاهدة».
وتأتي هذه الردود بعيد إعلان ترامب، خلال مؤتمر صحافي في مدينة إلكو في صحراء نيفادا، أنّ واشنطن ستنسحب من «معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى»، قائلاً إن «روسيا لم تحترم المعاهدة، وبالتالي فإنّنا سننهي الاتفاقية» الموقّعة قبل ثلاثة عقود بين الرئيس الأميركي في حينه، رونالد ريغان، ورئيس الاتحاد السوفياتي يومذاك، ميخائيل غورباتشيف. وفيما تساءل عن عدم تفاوض «الرئيس (باراك) أوباما عليها أو ينسحب منها»، شدد ترامب على أن بلاده لن تسمح «لهم بانتهاك اتفاقية نووية والخروج وتصنيع أسلحة (في حين) أنّنا ممنوعون من ذلك»، وذلك في إشارة إلى نشر موسكو منظومة صاروخية من طراز «9 إم 729» التي يتجاوز مداها، بحسب واشنطن، 500 كلم ما يشكّل انتهاكات للمعاهدة.