برازيليا | لم يحسم اليمين المتطرف معركة الرئاسة من الجولة الأولى، لكنه حسم المشهد السياسي بقسوة. ولعل الأرقام التي تهاوت فجأة من 49.20 في المئة بعد فرز نصف الأصوات «الرئاسية» إلى 46 في المئة بعد اكتمال الفرز جاءت كجرعة إنعاش لحزب «العمال» اليساري الذي عاش أسوأ ساعاته منذ أن دخل المعترك السياسي.أجّل أنصار اليمين المتطرف احتفالاتهم بعد أن جهّزوا لها منذ فجر اليوم الانتخابي. فهم لم يراودهم الشك في أن «مخلصهم» الموعود سيسحق المرشحين الاثني عشر في الجولة الأولى، كذلك أجّل «العماليون» بكاءهم إلى ثلاثة أسابيع إضافية علهم يجدون طريق إنقاذ مرشحهم الشاب الذي حمل على أكتافه كل خطايا الحزب وحكوماته، وأُلبس عباءة مقاومة الداخل والخارج، وهو الذي دخل المعترك الرئاسي في نصفه الأخير.
كاد «العماليون» أن يحتفوا بقطع الطريق أمام المتطرف جايير بولسنارو من الحسم في الجولة الأولى، وهو إنجاز يسجل لهم، لكن الغصة التي سببتها النتيجة الكارثية لانتخابات مجلس الشيوخ زادت من الشعور بالهزيمة. هزيمة في الأرقام حيث حاز نصف حصته الحالية بعد فوزه بستة مقاعد فقط، وخسارة معنوية نزلت عليه كالصاعقة بعد فشل الرئيسة السابقة ديلما روسيف والرمز العمالي إدواردو سوبليسي في الفوز بمقعدي مجلس الشيوخ في معقل العماليين التقليدي «ميناس جيرايس».
على الصعيد البرلماني خسر حزب «العمال» 12 نائباً، فانخفضت حصته من 68 نائباً إلى 56، لكن هذه النتيجة أعطته أكبر كتلة برلمانية تلاه اليمين المتطرف بكتلة قوامها 52 نائباً، كذلك حافظ «العماليون» على تمثيلهم في حاكمية الولايات شرط أن يفوز مرشحهم في الجولة الثانية عن ولاية «سيارا».
أعلن عدد من المرشحين الخاسرين دعم حداد في الجولة الثانية


تراجع «العماليين» عن مكتسباتهم السابقة وحظوظهم الطفيفة في كسب الجولة الرئاسية الثانية لم يكن مأساوياً إلى الحد الذي وصلت إليه الأحزاب التقليدية الأخرى، كحال الحزب الاجتماعي الذي حكم البرازيل على مدى 12 عاماً قبل تسلُّم العماليين الرئاسة عام 2002. فالحزب الذي يمثل يمين الوسط حصل مرشحه جيرالدو ألكمين على نسبة 4 في المئة، وهي النتيجة الأسوأ منذ أن دخل حزبه المعترك السياسي. حقيقة تشي بأن التغيير في البرازيل أطاح جيلاً من الأحزاب مقابل صعود نجم اليمين المتطرف والأحزاب المحافظة القريبة منه.
على الرغم من جراحه المثخنة، يظهر حزب العمال كقوة وحيدة للحدّ من تنامي التطرف في بلد كانت سمته التسامح. فحصول فرناندو حداد على ما يقارب ثلاثين في المئة من الأصوات في ظروف شديدة الصعوبة وحصار قضائي مطبق يشي بأن الرهان يبقى على الحزب الأقرب إلى قلوب الفقراء. حقيقة تجلّت بعد إعلان المرشحين الخاسرين سيرو غوميز، غيلرمي بولوس وإينريكي ميريلس مبايعتهم لفرناندو حداد دون قيد أو شرط فيما ينتظر أن تنضم اليهم المرشحة اليسارية المنشقة مارينا سيلفا. وعلمت «الأخبار» أن تهامساً بدأ داخل يمين الوسط لحسم خياره الانتخابي، حيث من المتوقع أن ينقسم إلى مؤيد لبوسنارو وآخر لحداد، خصوصاً بعد تصريح الرئيس اليميني السابق فرناندو انريكي كاردوسو وصف فيه بولسنارو بالوباء، معلناً صراحة وقوفه إلى جانب حداد في صراعه مع ما سمّاها العنصرية والكراهية التي تفوح من خطابات المرشح المتطرف.
تشير الاستطلاعات إلى أرجحية واضحة لبولسنارو على حساب حداد، ما يجعل من مهمة الأخير صعبة، حيث سيجب عليه استمالة كل الذين صوتوا ضد خصمه وإقناع الممتنعين عن التصويت (بلغت نسبتهم 20 في المئة للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات) بتعديل موقفهم. أوساط «العماليين» لا تستبعد قلب الطاولة من خلال ورشة بدأت فعلاً منذ فجر أمس الاثنين لكن فوز حداد بحسب المراقبين يحتاج إلى أكثر من مشروع انتخابي ومناظرات سياسية، فالأمر يتصل بهيكلية الحزب برمته وقدرته على تحويل الهزيمة المؤكدة إلى ساعة تفكّر ومراجعة نقدية لمساره السياسي برمته.