لم يحد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سيره في طريق مهاجمة إيران، ومهاجمة الأطراف التي تحاول «الالتفاف على العقوبات»، من الدول الأوروبية أو غيرها. وفي جلسة لمجلس الأمن، عقدت في نيويورك اليوم بعنوان «منع انتشار الأسلحة النووية والكيميائية»، لم يوفّر الرئيس الأميركي الفرصة لمهاجمة كل من الصين وروسيا وفنزويلا وسوريا، وحتى كوريا الشمالية. وفي متابعة للمواقف التي أطلقها اليوم وأمس، يظهر جلياً أن واشنطن، تحت إدارة ترامب، باتت تضع نفسها أكثر من أي وقتٍ سبق في «مواجهة» سياسية واقتصادية مع العالم.
«حل الدولتين»
في وقت سابق، اليوم، عقد ترامب اجتماعاً مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة التي افتتحت أعمالها أمس، تناول فيه الملف الفلسطيني، و«عملية السلام».
وقال ترامب إنه يريد تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس «حل الدولتين»، في أوضح تعبير حتى الآن عن «تأييد» إدارته لهذا الحل، معلناً خلال اللقاء الذي جمعه بنتنياهو أنه يريد «الكشف عن خطة سلام (ما بات يعرف بصفقة القرن) في غضون شهرين أو ثلاثة». وعلى هامش الاجتماع السنوي لزعماء العالم في الأمم المتحدة، قال الرئيس الأميركي: «يروق لي حلّ الدولتين. هذا ما أعتقد أنه الأفضل... هذا شعوري». وأضاف أنه «سيكون على إسرائيل أن تفعل شيئاً جيداً للطرف الآخر»، لكنه لم يوضح ما يقصده، مشيراً إلى أنه «يحلم أن يحدث هذا قبل نهاية فترته الرئاسية الأولى»، إذ قال: «لا أريد القيام بذلك خلال فترة ولايتي الثانية. سنفعل أشياء أخرى في فترتي الثانية. أعتقد أن تقدماً كبيراً قد أُحرز بالفعل. أعتقد أن إسرائيل تريد فعل شيء، وأعتقد أن الفلسطينيين يريدون فعل شيء». في المقابل، قال نتنياهو إن «الدولة الفلسطينية المستقبلية يجب أن تكون منزوعة السلاح، وأن تعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي».

«نشكر تركيا»
في الشأن السوري، جاءت أبرز مواقف ترامب خلال جلسة مجلس الأمن الدولي على النحو التالي:
واجهنا في سوريا تداعيات استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي أكثر من مرة.
المجازر التي يرتكبها النظام السوري هي بدعم روسيا وإيران.
النظام الإيراني أكثر أنظمة العالم دعماً للإرهاب ونشره في المنطقة.
نشكر تركيا على تجاوبها للتحرك وإنقاذ حياة المدنيين عبر اتفاق إدلب.
نحتاج التزاماً جماعياً لتفادي فظائع الحرب وتحقيق هدف السلام في العالم.

أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فكانت أبرز مواقفه بخصوص الشأن السوري:
نحذّر من أي هجمات ضد الأراضي السورية بذرائع واهية.
ما يقلقنا هو سلوك بعض الدول الغربية التي تتهم سوريا باستخدام السلاح الكيميائي.
دمشق دمرت معظم أسلحتها الكيميائية منذ سنوات.
المجموعات الإرهابية في سوريا تمتلك مواد سامة ونحن نخشى من أن تستخدمها.

وعلقت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بالقول:
النظام السوري استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه من دون اكتراث لقرارات الأمم المتحدة.
روسيا استخدمت الفيتو أكثر من مرة لحماية النظام السوري.

مواجهة متصاعدة مع إيران
ندّد ترامب أمام مجلس الأمن بتزايد ما وصفه بأنه «سلوك إيران العدائي»، وقال:
في الأعوام التي تلت توقيع الاتفاق، ازدادت عدائية إيران.
العقوبات الأميركية على طهران في شكل كامل بداية تشرين الثاني/نوفمبر.
ستفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة أشدّ من أي وقت مضى لاحتواء مجمل السلوك السيء لإيران.

في الإطار ذاته، وفي مستهل لقائه مع نتنياهو، قال ترامب: «أعتقد أن الأوروبيين سيحسنون التصرف، ما عليكم سوى الانتظار».
في موازاة ذلك، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنّ «سياسة العقوبات والاحتواء التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه إيران ليست كافية»، وإنه ينبغي إعداد خطة طويلة الأجل لإدارة الأزمة. وأضاف في اجتماع مجلس الأمن: «أتّفق مع أهداف رئيس الولايات المتحدة حتى وإن اختلفنا حول الاتفاق النووي، لكني أعتقد أننا بحاجة إلى إعداد استراتيجية طويلة الأمد، ولا يمكن اختصار الأمر في العقوبات والاحتواء». غير أن ماكرون كرّر موقف ترامب عندما «حذّر من انتشار الصواريخ الباليستية ووصولها إلى جماعات متحالفة مع إيران». وقال: «في الشرق الأوسط، المساعدة في مجال الصواريخ الباليستية التي قُدمت إلى جماعة حزب الله والحوثيين في اليمن، هي تطور جديد ومثير للقلق ويجب أن تتوقف قبل أن تزيد المنطقة المتوترة بالفعل اضطراباً».
في مقابل كلام ترامب، اعتبرت رئيسة الوزراء البريطانية أن الاتفاق النووي لا يزال «أفضل طريقة لمنع طهران من تطوير أسلحة نووية على رغم انسحاب واشنطن منه»، مؤكدة «نحن ملتزمون الحفاظ على الاتفاق ما دامت إيران تواصل احترام التزاماتها».
إيران بدورها ردت على كلام ترامب، إذ أكدت «مواصلة العمل مع بقية الشركاء في الاتفاق النووي، وبقية المجتمع الدولي، لإحباط خروج الولايات المتحدة منه». جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في اجتماع مفتوح لجميع الدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي، إذ أكد: «نحن واثقون من أن الولايات المتحدة ستواجه مزيداً من العزلة، والتي للأسف تستحقها، وعلينا أن نحبط خروجها من خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي)».

«الصين تريدني أن أتلقّى صفعة انتخابية»
في سياق التوتر المتصاعد مع الصين، اتهم ترامب بكين بالعمل ضد حزبه الجمهوري في انتخابات منتصف الولاية التي ستجرى في تشرين الثاني/ نوفمبر. وقال إن بكين تريده أن «يتلقّى صفعة انتخابية بسبب تشدّده في شأن التجارة معها». وأضاف: «للأسف وجدنا أن الصين تحاول التدخل في الانتخابات المقبلة ... ضد مصالح إدارتي»، مؤكداً أنهم (الصين) «لا يريدونني أنا أو نحن أن نفوز، لأنني أول رئيس على الإطلاق يتحدى الصين في شأن التجارة».
وكان ترامب قد جدد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس، مطالبته بتبادل تجاري «منصف ومتوازن» مع الصين، مؤكداً أن الاختلال التجاري مع الصين «لا يمكن القبول به».
في مقابل ذلك، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، أن بلاده ترفض بشدة اتهامها من جانب الرئيس الأميركي بالتدخل في الانتخابات البرلمانية الأميركية. وقال إن «الصين احترمت دائماً مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما. إننا نرفض الاتهامات المساقة بحق الصين ونطالب الدول الأخرى باحترام ميثاق الأمم المتحدة وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية».

يمكن الإطاحة بمادورو سريعاً
كان لفنزويلا حصتها من هجوم ترامب، إذ قال أمس إن رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو يمكن أن «يطيح به الجيش سريعاً إذا قرر العسكريون القيام بذلك». وفي تناقض لافت، أعلن أنه مستعد للقاء مادورو «إن كان ذلك سيساعد فنزويلا»، مشيراً إلى أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة». وأضاف: «كل ما أريده هو أن أرى فنزويلا تنتهج طريقاً مستقيماً. أريد أن يشعر الناس بالأمن. سوف نعتني بفنزويلا».
رداً على ترامب، اتهمت كراكاس الرئيس الأميركي بالتشجيع على «تمرّد عسكري» في فنزويلا. وقالت وزارة الخارجية الفنزويلية، في بيان، إن «فنزويلا ترفض بشدة التصريحات المعادية (...) لرئيس الولايات المتحدة الذي يدفع نحو تمرد عسكري في البلاد»، معتبرةً أن هذه التصريحات تشكل دليلاً «على سياسة تغيير النظام التي تروج لها واشنطن بمشاركة دول أخرى في أميركا اللاتينية».

اتفاق وعقوبات
دعا ترامب إلى الالتزام الكامل بعقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية حتى نزع سلاحها النووي. وقال: «أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق»، مضيفاً أن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون «هو رجل عرفته وقدّرته، وهو يريد السلام والازدهار لكوريا الشمالية». وتابع أنه «لضمان استمرار هذا التقدم، علينا أن نطبق قرارات مجلس الأمن الدولي حتى يتم نزع السلاح النووي»، مبدياً أسفه لكون «بعض الدول لا تزال تنتهك عقوبات الأمم المتحدة».
في سياق متّصل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية اليوم، أن وزير الخارجية مايك بومبيو سيعود في تشرين الأول/ أكتوبر إلى بيونغ يانغ، «بناء على دعوة كيم جونغ أون». وقالت الوزارة، بعد لقاء في نيويورك جمع بومبيو ونظيره الكوري الشمالي ري يونغ هو، إن الزيارة تهدف إلى «إحراز مزيد من التقدم في شأن نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية والتحضير للقمة الثانية بين الرئيس دونالد ترامب وكيم جونغ أون».