في كانون الأول عام 2016، عقب انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، هاتف دونالد ترامب نظيرته التايوانية تساي إنغ وين، في خطوة كانت الأولى من نوعها بين الولايات المتحدة والمستعمرة البريطانية السابقة، منذ عام 1979، عندما قطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان بعد اعترافها بجمهورية الصين الشعبية. «أكّد الزعيمان حرصهما على الروابط الاقتصادية والسياسية والأمنية بين البلدين»، كشف بيان صادر عن البيت الأبيض حول الاتصال، الذي وصفته بكين حينها بـ«التافه».فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، عزم الرئيس الأميركي على استخدام تايوان كورقة ضغط على غريمته الاقتصادية الأولى بكين، التي وصفت قضية تايوان مراراً بأنها «الأكثر حساسية» في العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم. وتجلّت سياسة ترامب القاضية بإمساك بكين «من اليد التي توجعها»، في سلسلة من الخطوات «الاستفزازية» المتعلقة بالتعاون العسكري مع تايوان، «البلد» غير المعترف به من قبل الأمم المتحدة وواشنطن نفسها.
وتعتبر الولايات المتحدة أهم داعم لتايوان، ومصدر الأخيرة الأول للسلاح والعتاد العسكري. وفي آخر حلقات مسلسل الدعم الأميركي لـ«تايبيه»، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أمس، موافقتها على بيع تايوان قطع غيار وتبديل لطائرات حربية من طرازات «أف 16» و«أف 5» و«سي 30» بقيمة إجمالية تصل إلى 330 مليون دولار. ووفق بيان للخارجية الأميركية، فإن هذه الصفقة «ستساهم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأمنها القومي من طريق تحسين القدرات الأمنية والدفاعية لتايوان... التي لطالما كانت وما زالت قوة مهمة للاستقرار السياسي والتوازن العسكري والتقدّم الاقتصادي في المنطقة».
تايوان، بدورها، رحّبت بالإعلان الأميركي، مشيرة إلى أنه «بينما تواجه تايوان تهديدات متزايدة، ستساهم صفقة الأسلحة بتعزيز قدراتها على الدفاع عن نفسها للحفاظ على الاستقرار والسلام في مضيق تايوان»، فيما أكّد مكتب الرئاسة التايوانية أن الحكومة «ستواصل تعزيز استثماراتها الدفاعية والإبقاء على اتصالات وتعاون وثيق» مع الولايات المتحدة حول القضايا الأمنية.
وتأتي الخطوة في سياق قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2019، الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي مطلع آب/ أغسطس الماضي، وينص على توسيع المناورات العسكرية المشتركة مع تايوان، وزيادة اللقاءات العسكرية وغير العسكرية معها. وفي هذا السياق، قالت رئيسة تايوان، مطلع الشهر الماضي، إنها تسعى إلى زيادة الإنفاق على القوات المسلحة، وإنها سترفع اقتراحها بزيادة إنفاق الدفاع لعام 2019 بنسبة 5.6 في المئة، لتصل إلى 346 مليار دولار تايواني (11,3 مليار دولار أميركي)، أمام البرلمان، قريباً. وبررت تساي ذلك بالقول إن «العديد من التغيرات طرأت دولياً وإقليمياً، ويواجه أمننا القومي المزيد من التهديدات الواضحة والمعقدة».
أعلنت واشنطن موافقتها على بيع تايوان قطع غيار وتبديل لطائرات حربية


من جهتها، هاجمت الصين صفقة التسليح الأميركية الأخيرة، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية غنغ شوانغ، أمس، إن بلاده «قدمت مذكرة احتجاج رسمية للجانب الأميركي في هذا الصدد»، مشيراً إلى أن الصفقة «تعد انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي والمعايير الأساسية للعلاقات الدولية، وتقويض لسيادة الصين ومصالحها الأمنية».
وتابع شوانغ: «الجانب الصيني يحثّ على إلغاء هذه الخطة، ووقف العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتايوان، من أجل تجنب الأضرار الجسيمة بالعلاقات الصينية-الأميركية، والسلام والاستقرار في مضيق تايوان». وأمام الكونغرس مهلة 15 يوماً للاعتراض على هذه الصفقة وتعطيلها، لكنّ هذا الأمر مستبعد.
وتعد تايوان قضية محورية بالنسبة إلى الصين، إذ ترفض الأخيرة أية محاولات لأنصار الاستقلال باتجاه سلخ الجزيرة عن الصين، متمسكة بمبدأ «الصين الواحدة». وشهدت العلاقات بين بكين وتايوان تدهوراً حاداً منذ وصول تساي، التي تنتمي إلى حزب سياسي مؤيد تقليدياً للاستقلال، إلى الحكم.
وبالعودة إلى صفقة الـ330 مليون دولار، فإنها جاءت بعد أيام قليلة من فرض الولايات المتّحدة عقوبات على الصين لشرائها طائرات مقاتلة روسية من طراز سوخوي (سو-35) في نهاية 2017 وتجهيزات مرتبطة بمنظومة الدفاع الروسية المضادّة للطيران (اس-400) مطلع 2018. ويتزامن إعلان هذه الصفقة مع اشتعال الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، التي قالت، أمس، إن من المستحيل مواصلة المفاوضات التجارية تحت التهديد، فيما ألقت باللوم على سياسة ترامب «أميركا أولاً» في نسف سنوات من الجهود المبذولة لإحراز تقدم في تسوية الخلافات من خلال منتديات ومبادلات ثنائية. وجاء ذلك بعد دخول رسوم جمركية أميركية جديدة مشددة حيّز التنفيذ، أول من أمس، على بضائع صينية مستوردة بنسبة 10%، ما قيمته 200 مليار دولار. الإجراء قابله إجراء مماثل من الصين، دخل حيّز التنفيذ، على منتجات أميركية بقيمة 60 مليار دولار.
ويحذّر اقتصاديون من أن أي نزاع طويل سيعطل في نهاية الأمر النمو، ليس فقط في الولايات المتحدة والصين، بل في الاقتصاد العالمي الأوسع. ومن بين المتضررين، تايوان، إذ إن اقتصاد الجزيرة يعتمد على الصادرات البالغة قيمتها مليارات الدولارات سنوياً بفضل العلاقات التجارية الصينية - الأميركية.