طغى موضوع «السيادة الأميركية» على خطاب الرئيس دونالد ترامب الذي لم يهدر سوى القليل من الوقت في إعلان التقدّم المُحرَز في سياسة «أميركا أولاً»، مقدِّماً دفاعاً قوياً عن طروحاته برفض «أيديولوجية العولمة».وفي خطابه أمام قادة العالم في افتتاح الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن ترامب أنّ إدارته ترفض محاولات الدول الأخرى فرض قيود على الولايات المتحدة، متعهداً باتخاذ إجراءات تخصّ الشؤون العالمية من شأنها أن تفيد الأميركيّين، وفق ما يراه هو مناسباً.
من على المنبر ذاته، أطلق ترامب سلسلة تحذيرات حادّة لقادة دول العالم، شملت إيران وسوريا وفنزويلا والصين، بسبب ما وصفه بـ«سلوكهم المارق». لكن الرئيس الأميركي، أوضح أيضاً أن الولايات المتحدة، تحت قيادته، لن تكون مُلزَمة بتوافق الآراء بين الحلفاء والشركاء التقليديين. وعليه، قال: «ستختار الولايات المتحدة دائماً الاستقلال والتعاون، بدلاً من الحوكمة والسيطرة والتفوّق العالمي». إلا أنه أكد أنه يحترم «حقّ كل أمّة - في هذه القاعة - في مساعيها للحفاظ على عاداتها ومعتقداتها وتقاليدها. لن تقول لكم الولايات المتحدة كيف تعيشون وتعملون ومن تعبدون. نحن نطلب منكم احترام حقوقنا السياديّة». وتباهى بأنّ فريقه «حقّق إنجازات أكثر من أي إدارة أخرى في تاريخ بلادنا»، ما أثار ضحك المشاركين. ودفعه إلى الردّ بالقول: «لم أتوقع ردّ الفعل هذا، ولكن لا بأس».
كذلك، انتقد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وسياسات الصين التجارية والمحكمة الجنائية الدولية التي «لا تحظى بأي شرعية أو سلطة». وقال إن «الولايات المتحدة لن تقدم أي دعم أو اعتراف للمحكمة الجنائية الدولية» التي وصفها بأنها «تدّعي الولاية القضائية ادعاءً شبه عالمي على مواطني جميع الدول في انتهاك لمبادئ العدالة والإنصاف». وأضاف: «لن نتخلى أبداً عن السيادة الأميركية لبيروقراطية عالمية غير منتخبة وغير مسؤولة»، رافضاً «ايديولوجية العولمة» التي هاجمها، إذ قال إن «أميركا لن تعتذر مطلقاً عن حماية مواطنيها».

بين طهران وبيونغ يانغ
أدان ترامب النظام الديني في إيران، قائلاً إنه يزرع «الفوضى والموت والدمار»، ولكنه بدا أقل حدّة مقارنة مع العام الماضي عندما صدم المشاركين في الاجتماع بخطابه العدواني ضد كوريا الشمالية الذي اشتمل على تهديد بـ«التدمير الكامل» لهذه الدولة. هذه المرة، استعرض ترامب دبلوماسيته بشأن كوريا الشمالية، وقال إنه عمل على «استبدال شبح النزاع بمساعٍ جريئة وجديدة من أجل السلام»، غير أنّه حذّر من أن العقوبات الدولية ضد بيونغ يانغ ستبقى «في مكانها حتى نزع السلاح النووي» من شبه الجزيرة الكورية.
عن إيران، قال: «لا يمكننا أن نسمح لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم بأن تمتلك الأسلحة الأكثر تدميراً في العالم»، مضيفاً: «لا يمكننا أن نسمح لنظام يهتف «الموت لأميركا» ويهدد إسرائيل بالقضاء التام عليها، أن يمتلك السبل لإطلاق رأس حربي نووي على أي مدينة على وجه الأرض». وطالب «جميع الدول بعزل النظام الإيراني ما دام مستمراً في عدوانه» و«دعم الشعب الإيراني». وندّد بـ«الدكتاتورية الفاسدة» التي تحكم في طهران، مبرراً الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الأميركية. وقال: «نعمل مع الدول المستوردة للنفط الخام الإيراني من أجل خفض كبير في مشترياتها».
من جهة أخرى، توعّد ترامب بـ«ردّ أميركي» في حال استخدام جديد للأسلحة الكيميائية في سوريا، ودعا إلى دفع جهود السلام الدولية قدماً. وقال: «يجب أن تكون أهدافنا المشتركة خفض التصعيد في النزاع العسكري، إضافة إلى السعي من أجل حل سياسي يحترم إرادة الشعب السوري»، مضيفاً: «نحن ندعو إلى إعادة إحياء عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ولكن تأكّدوا من أن الولايات المتحدة ستردّ في حال استخدام نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد أسلحة كيميائية».
(أ ف ب )

الحماية مقابل خفض الأسعار
حضّ ترامب دول منظمة «أوبك» على وقف ارتفاع أسعار النفط، والإنفاق على الدفاع عن أنفسهم. وقال: «نحن ندافع عن العديد من هذه الدول مقابل لا شيء، وهي تستفيد من ذلك لفرض أسعار نفط مرتفعة، هذا أمر غير جيد، نريدها أن تتوقف عن رفع الأسعار (...) والبدء في خفضها. ويتعين عليها المساهمة بشكل كبير من الآن فصاعداً في جهود الدفاع». واتهم منظمة الدول المنتجة للنفط «بممارسة الغش ضد بقيّة العالم. لا أحب ذلك، لا أحد يجب أن يحب ذلك».
في هذا السياق، حذّر ترامب ألمانيا من «الاعتماد الكامل» على روسيا إذا «لم تغير على الفور مسار» مشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» مع روسيا، معتبراً أنه «يجب على العالم الغربي الحفاظ على استقلاله ضد تجاوزات القوى الخارجية التوسعيّة».
في مجال آخر، أعلن الرئيس الأميركي أن بلاده تريد تحديد مساهمتها بنسبة 25% من موازنة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وستوجه مساعداتها إلى «الدول الصديقة».
وقال: «ضمن إطار جهودنا لإصلاح الأمم المتحدة، أبلغت مفاوضينا أن الولايات المتحدة لن تدفع أكثر من 25 في المئة من موازنة عمليات حفظ السلام» (6,689 مليار دولار) تدفع منها واشنطن 28,5 % حتى الآن)، لتشجيع الدول الأخرى» على «تقاسم هذا العبء الثقيل». وأعلن أيضاً مراجعة المساعدات الأميركية للدول الأجنبية بإشراف وزير الخارجية مايك بومبيو، قائلاً إن «الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات في العالم. مستقبلاً لن نمنح المساعدات الخارجية إلا لمن يحترموننا وبصراحة لأصدقائنا».
ووسط الحرب التجارية مع الصين، قال ترامب إن الاختلال التجاري مع القوة الآسيوية «لا يمكن التساهل معه»، مطالباً بتحقيق تجارة تبادلية «عادلة» في الأسواق العالمية، تضع فرصاً متكافئة بين الاقتصادات الكبرى.
وقال إن النظام التجاري العالمي يحتاج إصلاحات شاملة وتغييرات جوهرية تحقق العدالة للدول الصناعية.
وانتقد النظام التجاري العالمي الحالي، وقال: «منظمة التجارة العالمية قبلت في عضويتها الدول التي تنتهك مبادئ المنظمة الأساسية»، مؤكداً أنه «اعتباراً من الآن، لن نتسامح مع أي انتهاكات للملكية الفكرية أو الإغراق، وسنقف أمام كل محاولات لخداع شركاتنا».