منذ فشلت استطلاعات الرأي الأميركية في توقع فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016 وأيضاً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام نفسه، تعالت الأصوات المشككة في قدرة «الاستطلاعات» على التنبؤ الصحيح، كما ازدادت التساؤلات حول طبيعة عملها، لاسيما أنها تحولت من مؤسسات تعمل على تجسيد الرأي السائد إلى أدوات سياسية لديها تأثير حقيقي في الجو العام ونسبة المشاركة، أو في السلطة مباشرة. وفي القارة الأوروبية، توالت توقعات الاستطلاع غير الصحيحة، أو غير الدقيقة، في الأشهر الماضية، لا سيما عند كل استحقاق. آخر فصول «الإخفاق» كان في السويد، البلد المهدد بالشلل السياسي عقب انتخابات عامة شهدها أول من أمس، لا غالب فيها ولا مغلوب.ففي الأشهر القليلة الماضية، عاش سكّان البلد الإسكندنافي الأكبر مساحة، البالغين نحو 10 ملايين نسمة، جواً من الترقب والحذر، فيما ساد القلق في صفوف المهاجرين واللاجئين، بعد أن أظهرت الاستطلاعات تقدّم الأحزاب اليمينية بل صعود اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة وتحقيقها «فوزاً تاريخياً» في الانتخابات المرتقبة. لكن، مع انتهاء اليوم الانتخابي وفرز 99% من الأصوات، اتضح أن التوقعات لم تكن دقيقة. إذ أظهرت نتائج الانتخابات، التي شارك فيها 84% من أصل أكثر من 7.4 مليون ناخب، تحقيق الكتلة اليسارية التي ينتمى إليها رئيس الوزراء ستيفان لوفين، تقدماً ضئيلاً بنسبة 40.6% على كتلة المعارضة (يمين الوسط) التي تعرف باسم «تحالف» وحصلت على 40.3%.
في التفاصيل، تصدّر الحزب الحاكم «الاشتراكي الديموقراطي» النتائج بنسبة 28.4%، وهي أسوأ نتيجة له منذ نصف قرن، فيما جاء حزب المحافظين في المرتبة الثانية بنسبة 19.8%، شاهداً على تراجع بنسبة 3% من أصوات ناخبيه عام 2014. أما حزب «الخضر» المتحالف مع الحزب الحاكم، فنجا بأعجوبة من الخروج من البرلمان بعد حصوله على 4.3% نظراً إلى أن النسبة المطلوبة للتمثيل هي 4%. في المقابل، اختار بعض السويديين اللجوء إلى الأحزاب اليسارية الأخرى، إذ زادت نسبة تأييد حزب «فينسترا» بنحو 2.2% حاصداً نحو 8%، وهو ما لم يكن متوقعاً.
أكد رئيس الحكومة تمسكه بمنصبه داعياً لـ«مفاوضات تعاون»


فضلاً عن توقعات الرأي، لم تتحقق توقعات زعيم اليمين المتطرف جيمي أوكسون بحصول الحزب الذي يرأسه «ديموقراطيي السويد» على 20-30% من الأصوات، حاصداً في المقابل 17%. وتشكّل النتيجة نجاحاً لا يستهان به للحزب اليميني المتطرف الذي حل في المرتبة الثالثة برلمانياً مع زيادة أصوات ناخبيه بـ4.7% عن 2014.
في ما يتعلق بالمقاعد، سوف تشغل الكتلة التي يترأسها لوفين (تتألف من الاشتراكيين الديموقراطيين و«الخضر» وحزب اليسار) 144 مقعداً، بزيادة بواقع مقعد واحد عن ائتلاف «تحالف» الذي يقوده الحزب المعتدل المحافظ. وهذا قد يتغير عندما تنتهي هيئة الانتخابات من إحصاء الأصوات الغائبة اليوم (الأربعاء).
هذه النتائج تجعل من الصعب على حزبي الوسط (اليمين واليسار) تشكيل حكومة غالبية من دون اللجوء إلى حزب اليمين المتطرف، الذي شدّد زعيمه فجر أمس، على أننا «نريد ترجمة ذلك إلى نفوذ سياسي (في البرلمان)». وتشير الصحف إلى إمكان دخول البلاد في حالة من الجمود السياسي والشلل الحكومي إذا فشل الحزب الحاكم في تشكيل ائتلاف يسمح بولادة حكومة قبل نهاية العام الحالي. وعلى ما يبدو، سيزداد المشهد تعقيداً مع تصاعد الدعوات المطالبة باستقالة رئيس الحكومة الذي أكّد بدوره تمسكه بمنصبه، مشيراً إلى أن «القضية الآن تعود إلى كل الأحزاب المحترمة… للدخول في مفاوضات تعاون». ومن المتوقع أن يبقى مستقبل لوفين معلقاً إلى حين اجتماع البرلمان الجديد في غضون أسبوعين.