خرج الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس، ليُقدّم مواقف أكدت «التحدي» الذي دأب عليه منذ اندلاع الأزمة مع الولايات المتحدة. وعلى توقيت التوتر مع واشنطن كما الأوروبيين، و«الحرب الاقتصادية»، بعث الرجل برسائل في أكثر من اتجاه، مُلوِّحاً بالذهاب صوب خيارات بديلة عبر التذكير بصفقة الـ«أس 400». في الوقت نفسه، أقرّت الحكومة التركية قرارات مصرفية جديدة، بمواجهة تدهور العملة التركية.عاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ليُلوّح بورقة الـ«أس 400» بتوقيت أزمته مع الأميركيين. قال أردوغان إن بلاده «بحاجة إلى أنظمة الدفاع الصاروخية أس 400 (الروسية)»، مُذكِّراً بأن الاتفاقية حولها انتهت، مضيفاً: «سنأخذها في أقرب وقت». كلام أردوغان في حفل تخريج ضباط الجيش التركي، أمس، كان واضحاً، ولو بشكل غير مباشر، في ربط الحديث عن شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية، بالعلاقات المأزومة مع الحلفاء، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة. بنظر أردوغان، فإن حال أنقرة الآن هي «علاقة أحادية الجانب»، بينما تركيا «بقدر ما تحتاج إلى علاقات تحالف مع الدول الأوروبية وأميركا، فهي بحاجة إلى علاقات تعاون مع سائر الدول».
بالنسبة إلى أردوغان، فإن المضي في صفقة «أس 400» مُبرَّر تماماً أمام «الحلفاء» في «الناتو» وواشنطن تحديداً، إذ إن الأخيرة لا تزال ترفض تطبيق اتفاق تسليم 120 مقاتلة من طراز «أف 35»، التي دفعت تركيا «إلى اليوم 900 مليون دولار في إطار شراكتها في مشروع إنتاجها». حذّر أردوغان من أنه، وفي حال «لم يسلمونا المقاتلات، فإننا نستطيع الحصول عليها من مكان آخر، أو نعمل على إنتاجها بأنفسنا، على غرار الطائرات من دون طيار التي امتنعوا عن تقديمها إلينا ونحن نقوم اليوم بإنتاجها».
أعلنت الحكومة التركية سياسة ضريبية جديدة على ودائع العملات


مواقف الرئيس التركي أتت في توقيتين، واحد أوروبي وآخر أميركي. فعشية القمة الثلاثية في طهران مع نظيرَيه الروسي والإيراني، يبعث الرجل برسائل إلى البيت الأبيض، مفادها أن مواصلة الولايات المتحدة لضغوطها ضد أنقرة، سينجم عنه مزيد من التقارب مع خصوم واشنطن. أما أوروبياً، فتأتي التصريحات التركية بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في فيينا مع نظرائهم من الدول المُرشَّحة لعضوية الاتحاد، وبينها تركيا. وكرّرت ألمانيا، أمس، تصريحاتها المستفزة للأتراك، عبر تشديد وزير خارجيتها، هايكو ماس، على أن تركيا لا يمكنها إصلاح علاقاتها المتصدّعة مع الاتحاد الأوروبي قبل أن تُطلِق سراح المواطنين الألمان الذين اعتقلتهم، مضيفاً: «هذه القضايا لا بدّ من تسويتها». وجاء تصريح ماس خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مع الدول الطامحة للانضمام إلى الاتحاد، قبل أسبوع على موعد أول زيارة رسمية له إلى أنقرة.
وبالعودة إلى مواقف أردوغان، فقد تطرّق الرئيس التركي إلى الأزمة الاقتصادية، واضعاً إيّاها في خانة «حرب اقتصادية» يقودها الغرب ضد بلاده. ورفض أردوغان تقييمات وكالات التصنيف الائتماني، واصفاً هذه الوكالات بـ«الدجّالين والمبتزّين»، حاثّاً الأتراك على عدم الاكتراث بتقييمات تلك الوكالات. ورأى أنه «ليس في تركيا أي مشكلة تبرر الهجمات الإرهابية المُوجَّهة ضدها في الداخل والخارج، والرياء الذي تواجهه في الساحة الدولية، وصورة الأزمة التي يحاولون خلقها على الاقتصاد التركي». وأضاف: «يريدون تحقيق ما لم يستطيعوا فعله عبر المنظمات الإرهابية وعصابات الخونة في الداخل، عن طريق استخدام سلاح الاقتصاد الذي جعلوا سعر الصرف رصاصة له». وطمأن الرئيس التركي إلى أن حكومته تتخذ الإجراءات اللازمة في مواجهة هبوط الليرة وتقلّبها، وستتغلب على «الهجوم»، مُتحدِّثاً عن بداية «نتائج ملموسة» لتلك الخطوات، وإن حذّر في الوقت نفسه من أن عملة بلاده «مستهدفة».
وعلى صعيد الإجراءات التي أشار إليها أردوغان في شأن الوضعين المالي والاقتصادي، أعلنت الحكومة التركية، أمس، رفع الضريبة على عوائد الودائع بالعملة الأجنبية، في محاولة لدعم العملة المحلية. وأقرّ قرار رئاسي رفع الضريبة المقتطعة على ودائع العملة الأجنبية لستة أشهر من 18 إلى 20 في المئة، فيما رفعت الضريبة لسنة من 15 إلى 16 في المئة. كذلك، تمّ تخفيض الضريبة على عائدات الودائع بالليرة التركية لستة أشهر من 15 إلى 5 في المئة، وعلى الودائع لسنة من 12 إلى 3 في المئة، ومن 10 في المئة إلى صفر على الودائع لأكثر من سنة.
وقال وزير الخزانة والمالية التركي، براءت ألبيرق، أمس، إن الحكومة ستستمرّ في اتخاذ «الخطوات اللازمة» لتعزيز الليرة. وأضاف: «يتعين علينا تنفيذ خطط عملية قصيرة جداً، وقصيرة، ومتوسطة، وطويلة الأمد، لتجنب وقوع تقلّبات في الاقتصاد أمام كل التطورات المحتملة». ورأى ألبيرق أن اقتصاد بلاده «يتعرّض منذ تموز الماضي إلى هجمات اقتصادية تستهدف رفاهية الشعب التركي»، لكنه شدد على أن القطاع المصرفي التركي «في أقوى مراحله التضامنية على مرّ تاريخه»، لافتاً إلى أهمية السياسات الجديدة التي وصفها بـ«القوية أكثر من أي وقت مضى». وحرصت وزيرة التجارة التركية، روهصار بكجان، هي الأخرى، على طمأنة الأسواق التركية. وقالت إنه «مهما فعل المضاربون، فسوف نستمرّ في النمو بروح التضامن الموجودة في تركيا، وخلق العمالة والتصدير»، مشيرة إلى أن الحكومة تراقب التطورات «لحظة بلحظة، ونواصل اتخاذ تدابير وقائية لمنع تدهور الأسواق».