دخل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أمس، إلى البرلمان من أجل الخضوع للاستجواب، ليخرج منه بموقف أكثر ضعفاً بعد لكمتَي المؤسسة التشريعية التي أسقطت وزيرَين في فريقه الاقتصادي. لاحقت أسئلة الملف الاقتصادي روحاني مجدداً، من دون أن ينجح في تقديم أجوبة شافية للنواب، ما أعاد طرح الإشكاليات حول مصير روحاني، واحتمال رفع «الغطاء» عن الرجل.تتعالى وتيرة الحراك السياسي الداخلي في إيران، منذ دخول الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية حيز التطبيق، وما تركته من آثار على الاقتصاد. في البرلمان، كما في القضاء، تحضر ملفات السياسات الحكومية في شأن ملف الاقتصاد والتعامل مع الاهتزازات التي تمر بها العملة والأسواق ومختلف القطاعات. وكما يُساءَل رئيس الجمهورية في البرلمان، يُحاكَم رجال أعمال وتجار مضاربون أمام القضاء بتهم تتعلق بالإضرار بالاقتصاد الإيراني وسوق العملات. خلف كل ذلك، يَظهر حرص النظام في طهران على الحد من آثار العقوبات الأميركية، ونقل النقاش المحتدم حول الملفات المعيشية والاجتماعية إلى داخل المؤسسات، بدلاً من الشارع الذي يشهد تحركات احتجاجية متقطعة، تُعدّ بالنسبة إلى صناع القرار الإيراني بيئة خصبة للاستغلال من الخارج.
ويتيح تفعيل عمل المؤسسات في المساءلة والمحاسبة سحب فتيل الاحتقان الشعبي من جهة، كما يؤمّن للنظام فرصة إغلاق الثغرات في مرحلة مواجهة الضغوط الأميركية من جهة ثانية، عبر تحصين النظام ببرامج مكافحة الفساد وتحديث البرامج الاقتصادية. لكن الثابت، حتى الآن، وعلى رغم إطاحة البرلمان بوزيرين في حكومة الرئيس حسن روحاني، أن لما يجري سقفاً ليس سهلاً تجاوزه، يتمثل في رفض مؤسسات النظام حدوث فراغ كبير في الدولة أثناء هذه المرحلة الحساسة، كإزاحة الرئيس. تحت هذا السقف الذي حدده المرشد علي خامنئي، من الممكن أن تأخذ الحملة مداها في إجبار روحاني على تغيير فريقه الاقتصادي، وفتح الملفات المشوبة بعلامات الاستفهام حول الأداء الحكومي فيها.
أمس، حضر روحاني كما وعد إلى البرلمان للإجابة على أسئلة النواب. جلسة عاصفة انتهت إلى فشل الرجل في إقناع مستجوِبيه، سوى بإجابة واحدة تتعلق بالعقوبات المصرفية من بين أسئلة خمسة (سعر الصرف، والتهريب، والبطالة، والركود، وأسباب استمرار العقوبات المالية المصرفية على رغم الاتفاق النووي) طُرحت عليه. حاول الرئيس أن يبدو متماسكاً وحاسماً في إجاباته، مستعيناً بخطاب الوحدة الوطنية ليؤكد ضرورة حماية النظام والحكومة بوجه «العدو» وسياساته، حدّ اعتباره الاحتجاجات في الشارع سبباً مشجعاً لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي. وإذ أقرّ روحاني بوجود «مشكلات»، تمسّك في الوقت نفسه بخطاب عمومي نفى فيه وجود «أزمة»، إذ قال: «لا يجب القول إننا نواجه أزمة. لا توجد أزمة. إذا قلنا إن هناك أزمة فسيتحول الأمر إلى مشكلة بالنسبة للمجتمع، ومن ثم إلى تهديد». وأضاف: «الناس لا يشعرون بالخوف من الولايات المتحدة، بل هم خائفون من خلافاتنا. إذا رأى الشعب أننا متحدون فسيدرك أن المشكلات ستُحَل». «المبارزة» بين الرئيس والبرلمان بلغت أوجها مع مداخلة النائب عن مدينة قم، مجتبى ذو النور، الذي قال: «بنيتم قصراً من التمنيات يدعى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)... بركلة واحدة من ترامب، دُمّر هذا القصر ولم يكن لديكم أي بديل منه»، وهو ما استدرج روحاني للرد والاعتراف بأن الاتفاق لم يُلبِّ كل الطموحات المعقودة عليه.
أقرّ روحاني بأن الاتفاق النووي لم يُلبِّ الطموحات المعقودة عليه


في المحصلة، نجح خصوم روحاني في إضعاف موقفه أكثر، لا سيما أمام الرأي العام الإيراني. الآثار بدت سريعة وجلية لانعكاس السياسة في الشارع، حيث تراجع الريال الإيراني أمس من جديد إلى ما يقرب 11100 مقابل الدولار. مشهد روحاني في البرلمان، وخطابه إجابة على أسئلة النواب، سيحظيان بالاهتمام والتقييم أكثر داخلياً، سواء في الشارع أو على المستوى السياسي، لتُفتح الأسئلة الصعبة عن ما بعد الخطاب، وأهمها: هل تنجح محاصرة روحاني في تخلي المرشد عنه؟ لا شيء إلى الآن يرجّح رفع «الحماية» عن الرجل، لكن مسار استجوابه يجعل الأمر ممكناً قانونياً، في حال تمت الدعوة إلى جلسة مساءلة تُطرح فيها أهلية الرئيس على التصويت. إلا أن التصويت على عدم أهلية الرئيس يتطلّب أصوات ثلثي أعضاء البرلمان. ويبقى خيار آخر، هو إحالة نتيجة الأجوبة إلى السلطة القضائية التي تُعدّ تقريراً للبرلمان والمرشد. لكن، وفي كل الأحوال، المسارات جميعها تنتهي عند المرشد الذي يملك الـ«فيتو» على أي قرار، وهو الذي اعتبر قبل أيام أن الدعوة إلى إسقاط الحكومة تنفيذ لـ«مخطط الأعداء»، مشدداً على أن «الحكومة يجب أن تبقى، وأن تكون قوية، وأن تمارس وظيفتها في حل مشاكل الشعب».