تكثّف إيران اتصالاتها إقليمياً ودولياً عشية دخول الدفعة الأقوى من العقوبات الأميركية التي تستهدف نفطها حيّز التنفيذ. التحرك الإيراني، الموازي لنشاط واشنطن المضاد دولياً، يأتي في إطار تفعيل قنوات التعاون الإقليمي والدولي، بما يُجنِّب طهران عزلة تحاول الإدارة الأميركية فرضها. وأمس، وبعد اتصال كان أجراه الرئيس الإيراني حسن روحاني بأمير قطر، بعث روحاني برسالة إلى سلطان عمان قابوس بن سعيد. ولم تذكر وكالة الأنباء العمانية أي تفاصيل إضافية حول مضمون الرسالة الخطية التي سلّمها السفير الإيراني في مسقط لوزير ديوان البلاط السلطاني.وفي وقت تؤكد فيه طهران ارتياحها للتعاون الإقليمي معها في فترة العقوبات، لا يخفي الإيرانيون عدم ثقتهم بالتعاطي الأوروبي حيال الملف. ووسط تصريحات إيرانية تبدي عدم رضى عمّا بدأ يعلنه الاتحاد الأوروبي من خطوات للحفاظ على الاتفاق النووي والتعاون التجاري مع إيران، تلقّى روحاني، أمس، اتصالاً من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد فيه الرئيس الإيراني لماكرون ضرورة أن يقدّم الأوروبيون «ضمانات بشأن القنوات المصرفية ومبيعات النفط، فضلاً عن مجال التأمين والنقل»، حاثاً على «التعجيل» في الحفاظ على الاتفاق.
المجالات التي حثّ روحاني الرئيس الفرنسي على حل مشاكلها، أظهرت اهتمام إيران في المرحلة المقبلة بحماية تصدير النفط ومواجهة الحظر الأميركي. وفي هذا الملف تَظهر قراءتان في طهران لكيفية التعامل مع الاتفاق في المرحلة المقبلة التي ستشتد فيها العقوبات. من جهة، يشيد وزير الخارجية محمد جواد ظريف بإيجابية تقديم الاتحاد الأوروبي مبالغ لدعم بعض القطاعات في إيران ستصل قيمتها إلى 50 مليون يورو، مع تعويله على الشركات المتوسطة والصغيرة التي قد تحلّ محلّ الشركات الكبرى المغادرة حفاظاً على مصالحها مع الولايات المتحدة، لكن من جهة أخرى، لا يرى ظريف، كما روحاني، التجاوب الكافي أوروبياً مع متطلبات المرحلة.
الحرس الثوري: انتشار القوات الأميركية في الخليج تهديد لأمن المنطقة


في المقابل، ثمة رأي أكثر تشاؤماً، يضع تصريحات ماكرون وباقي المسؤولين الأوروبيين في خانة محاولات ثني طهران عن الانسحاب من الاتفاق النووي، ولو عن طريق الإغراء ببعض المحفزات «المُسكِّنة»، فيما لن يقدّم الأوروبيون العراقيل الكافية للعقوبات الأميركية. وبنظر البعض في إيران، فإن هذه السياسة الأوروبية «الاحتوائية» يجب أن تقابَل برد فعل أقوى بدلاً من التعويل على التعاون الأوروبي، واستعادة ورقة رفع القيود عن الأنشطة النووية. والجدير ذكره، هنا، أن روحاني قال لماكرون إن بلاده «أوفت بكل تعهداتها في الاتفاق النووي... وإنها تتوقع من الشركاء الباقين إدارة برامجهم على نحو أسرع وأكثر شفافية»، في تصريح يمكن أن يُفسّر كنوع من الضغط على الأوروبيين عبر التلميح إلى ورقة خروج إيران من الاتفاق النووي، وعودتها إلى الوضع السابق للاتفاق.
التطورات على خط واشنطن ـــ بروكسل تبدو مُشجِّعة للإيرانيين للاستمرار في التواصل مع الأوروبيين، في ظل تصاعد الخلاف الأميركي ـــ الأوروبي، الذي بلغ حدّ دعوة ماكرون أمس أوروبا إلى تجنب الاعتماد على الأميركيين في ضمان أمنها، والقول إن «علينا القيام بمبادرات جديدة وبناء تحالفات جديدة»، في تصريحات سبقتها تصريحات مشابهة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وعلى رغم التشكيك الإيراني في المواقف الأوروبية، إلا أن ماكرون، الذي تحدث أمس في الاجتماع السنوي أمام سفراء بلاده بخطاب وضع فيه الخطوط العريضة للدبلوماسية الفرنسية، أكد التمسك بالاتفاق النووي. وقال ماكرون للسفراء الفرنسيين إنه أجرى مباحثات هاتفية مع روحاني، كاشفاً عن «مبادرات ملموسة» سيعلنها في الأسابيع المقبلة «لتشجيع الاستقرار» في منطقة الشرق الأوسط. وأضاف ماكرون: «سنبذل كل ما في وسعنا من أجل أن تؤدي المحادثات إلى تجنب أزمة خطيرة في الأشهر المقبلة».
وغير بعيد من القنوات الدبلوماسية، تستعرض إيران قوتها عسكرياً في الخليج، في رسائل تتزامن مع التصعيد الأميركي ضد الجمهورية الإسلامية، إذ رأى قائد القوات البحرية في الحرس الثوري، علي رضا تنغسيري، أن «انتشار أسطول الولايات المتحدة، والقوى الأجنبية الأخرى في الخليج، يشكل تهديداً لأمن المنطقة». وأضاف: «نستطيع توفير الأمن في الخليج، ولا حاجة لنا إلى وجود الولايات المتحدة الأميركية، ولا القوى الأجنبية الأخرى القادمة من خارج المنطقة».