يمثُل الرئيس الإيراني حسن روحاني، غداً، أمام البرلمان للإجابة عن أسئلة النواب. يحضر الرجل في وقت تتناقص فيه حكومته جراء الملاحقة البرلمانية التي أطاحت اثنين من وزرائه. فبعد إقالة النواب الإيرانيين وزير العمل أخيراً، حجب البرلمان، أمس، الثقة عن وزير الاقتصاد والمالية، مسعود كرباسيان. زاد القرار من محاصرة روحاني وفريقه، وأعطى جرعة دعم للأطياف المعارضة بشدة لروحاني، والداعية إلى استقالته، وعلى رأسها تيار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.لكن النظرة إلى ما يجري في المشهد السياسي الإيراني على أنه تهاوٍ لولاية روحاني الثانية، لا يُقرّ به العارفون بخفايا التوازنات في طهران، ومسار تجاذبات القوى. ثمة صورة مقلوبة خلف مشهد إحراج الرئيس، والتصويب على فريقه الاقتصادي في المرحلة الحساسة التي تعيشها إيران لناحية التراجع المالي والاقتصادي على وقع العقوبات الأميركية، وجولات الاحتجاجات الشعبية المتقطعة في الشارع. فعبر التخفّف من الفريق الاقتصادي، وتغيير رموزه الأساسية، يكون روحاني قد أمّن «كبش فداء» أمام مختلف المستويات السياسية والشعبية في إيران، وهو ما أسهم فيه الرئيس نفسه عند استبداله محافظ البنك المركزي. وبذلك، يدفع الفريق الاقتصادي المتهم بـ«القصور» عن مواجهة تحديات المرحلة، وفي مستويات أكثر تشدداً بـ«التقصير» أو «الفساد»، ثمنَ الامتعاض الشعبي والانتقادات المتصاعدة في الشارع والإعلام والبرلمان للأداء الحكومي في هذه الملفات. وبالتالي، يُحيَّد روحاني عن التصويب عليه كرأس هرم المسؤولية عن فشل البرنامج الانتخابي الذي فاز على أساسه بولاية ثانية.
أمّن خامنئي في خطابه الأخير «حصانة» أوثق لروحاني


هكذا، يصبح روحاني في موضع أكثر حساسية وتضرراً، وعرضة لوصف آخر ولاية له بـ«الفشل»، لكن في الوقت نفسه يحصّن الرئيس الإيراني موقعه، ويراهن على التغييرات الإدارية في فريقه، وعلى الوقت لتسجيل نجاحات في ما تبقى من ولايته. يصعب في طهران حماية فريق روحاني الاقتصادي وتحييد الوزراء عن المسؤولية، ما يجعل الأكثرية البرلمانية تنأى بنفسها عن حماية الوزراء المسؤولين مباشرة عن هذه الملفات أمام الرأي العام. وفي المستوى نفسه، يبدو بقاء روحاني وتحصينه وحماية ولايته حاجة لغالبية الأفرقاء والتيارات ومؤسسات النظام، يرفض أحد أن يتورط في العمل على خلافها. معادلةٌ تفرضها ضرورة موازنة النظام بين الضغوط الخارجية ومواجهة حرب الحظر، والمطالب الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، في سبيل الخروج من المرحلة بأقل الأضرار الممكنة.
هذه السياسة بدا المرشد الأعلى، علي خامنئي، مُتبنِّياً لها بالمطلق، حرصاً منه على إظهار «وحدة الصف» أمام الخارج وترك النقاشات الداخلية عند مستويات واقعية ومحدودة، ومنع تمدّدها باتجاه إطاحة رئيس الجمهورية. وقد أمّن خامنئي في خطابه الأخير «حصانة» أوثق لروحاني برفضه دعوات الاستقالة الآتية من معارضي الرجل، حدّ وصف هذه الدعوات بأنها تنفيذ لـ«مخطط الأعداء». حينها، قال خامنئي أيضاً إن «الحكومة يجب أن تبقى، وأن تكون قوية، وأن تمارس وظيفتها في حل مشاكل الشعب». خطاب شكّل علامة سياسية فارقة، عزّزت من حضور «الولي الفقيه» في إيران في منطقة وسطى يمسك فيها بالعصا من المنتصف، من خلال حماية النظام والحكومات المتعاقبة أياً كان انتماؤها السياسي والحزبي. فكما دافع المرشد في الماضي عن حكومة نجاد، يعود اليوم ليقطع الطريق على نجاد نفسه في محاولة الأخير استغلال الظروف للتصويب على الرئيس الحالي.
المراقب عن كثب يلحظ، على ضفاف هذا الحراك السياسي الداخلي، بوادر خريطة سياسية مختلفة في طهران بدأت تظهر منذ مدة، لا تقتصر على الانقسام التقليدي: محافظين وإصلاحيين، خصوصاً مع تصدّر تيار نجاد للمعارضة، قاطعاً أكثر فأكثر مع تيار المحافظين، ومتمايزاً عنه في كل شيء. في الموازاة، تُكسب التطورات السياسية في إيران روحاني «الوسطي» دعم التيار المحافظ، فضلاً عن حلفائه الإصلاحيين. ويصعب في إيران اليوم فصل التجاذبات السياسية بين القوى، على الأقل إعلامياً، عن الملفات القضائية التي فُتحت في أكثر من اتجاه، بعضها لمحاربة المخلّين باقتصاد إيران وعملتها، وبعضها الآخر بوجه سياسيين متّهمين بالفساد. ومن بين الأخيرين مدير مكتب الرئيس السابق أحمدي نجاد، اسفنديار رحيم مشائي، الذي شرعت محكمة الثورة في محاكمته، أول من أمس.