تأججت الخلافات بين أنقرة وواشنطن، على نحو غير مسبوق، مترافقة مع ما أطلق على تسميتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «حرباً اقتصادية» تشنها الولايات المتحدة ضد بلاده. تغريدات عالية النبرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، قابلتها تصريحات أكثر حدة من أردوغان. وإن كانت المواقف المتباينة والحرب الكلامية أمراً مكروراً على خط أنقرة - واشنطن سرعان ما تهدأ، لكنها، منذ أمس، باتت تترجم عملياً بإجراءات تصاعدية، ما يزيد من حجم الفجوة بين الحليفين الأطلسيين. سريعاً استحضرت تركيا رواية الانقلاب، ووضعت تحرك واشنطن ضدها في إطار استكمال محاولة التخلص من نظام «العدالة والتنمية». أمام هذا المشهد، لا مؤشرات على التئام حوار بين البلدين، يخفض من مستوى التوتر، على رغم مناشدة وزيرة التجارة التركية روسار بيكحان، واشنطن العودة إلى المفاوضات حول الرسوم الجمركية.مفاوضات لا يبدو ترامب في واردها، بعد تغريدة له ظهر فيها متباهياً بانهيار الليرة التركية التي سجّلت هبوطاً حادّاً بنسبة 19 في المئة في يوم واحد (وصلت إلى 6,87 ليرة للدولار الواحد). وزفّ الرئيس الأميركي إعلان مضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألومينيوم المستورَدين من تركيا، بالقول: «لقد سمحت للتوّ بمضاعفة التعرفات الجمركية على الصلب والألومنيوم من تركيا في وقت تنزلق عملتهم، الليرة التركية، متراجعة بسرعة مقابل دولارنا القوي جداً». وأضاف في تغريدة على «تويتر» أن «رسوم الألومنيوم ستصبح 20 في المئة والصلب 50 في المئة. علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة حالياً!». «العلاقة غير الجيدة» وفق توصيف ترامب، يوافق عليها الرئيس التركي، الذي وصف ما يجري بـ«الحرب الاقتصادية». ودعا أردوغان في كلمة أمام حشد في مدينة بايبورت (شمال شرق)، الأتراك إلى «الكفاح الوطني»، مخاطباً إياهم بالقول: «إن كانت لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدّخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني». وأضاف: «سيكون هذا ردّ أمّتي على الذين أعلنوا حرباً اقتصادية ضدنا».
عودة ترامب إلى رفع جديد للتعرفة الجمركية على الواردات التركية، بعد التعرفة التي وضعها في آذار/ مارس الماضي، أتت لتؤكد فشل جهود الوفد التركي الذي زار واشنطن لمفاوضة وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين. لتتصاعد بعد ذلك الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، والتي تعزو واشنطن أسبابها إلى تعنت أنقرة في قضية احتجاز القس الأميركي أندرو برانسون، المتهم بعلاقته بجماعة فتح الله غولن، وهي القضية التي فرضت بموجبها عقوبات أميركية على وزيري العدل والداخلية التركيين.
وأمس، جدّد أردوغان رفض بلاده المساومة في قضية القس الأميركي، بالقول: «لا يمكن لمن استضافوا أعضاء منظمة غولن الإرهابية ولم يتخذوا أي خطوة حيالهم، أن يعطونا دروساً في القانون». وأعلن الرئيس التركي أن بلاده مستعدة لجميع الاحتمالات الاقتصادية السلبية، كاشفاً عن أن أنقرة «قطعت مسافات مهمة في مسألة البدائل (الاقتصادية) المختلفة من إيران إلى روسيا، ومن الصين إلى بعض البلدان الأوروبية، وفي أماكن كثيرة أخرى أيضاً». وقال أردوغان إن بلاده تسعى لحل خلافاتها مع الدول عن طريق المفاوضات «لكن عندما يتعلق الأمر بمحاصرة تركيا وإملاء مجموعة من الأمور التي تتعارض مع سيادتنا، فالوضع يختلف، لا تؤاخذونا فلن نتساهل في هذا الأمر».
وأكدت أنقرة، أمس، أن الضغوط الأميركية ستؤدي فقط إلى «الإضرار بالروابط» بين البلدين، وفق الناطق باسم الخارجية حامي أقصوي. ومن جهته، قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم غالن، إن «من يظنون أنهم سيتمكنون من إركاع هذا الشعب عبر التلاعب بالاقتصاد، فهم لا يعرفون هذا الشعب على الإطلاق». وفي ظل ما تشهده الأسواق التركية على وقع استعار الخلاف مع واشنطن، تتخوّف الأسواق من المنحى الذي ستتخذه سياسة أردوغان الاقتصادية، في وقت يتحفّظ المصرف المركزي التركي على رفع معدلات فائدته للحد من تضخّم بلغ معدله السنوي حوالى 16 في المئة في تموز/ يوليو. وحرصاً منه على توجيه إشارات إيجابية إلى الأسواق، شدّد وزير المال، براءة البيرق، وهو صهر أردوغان، على «أهمية استقلالية المصرف المركزي». وسعى البيرق، الذي يستعد للإعلان عن إصلاحات اقتصادية جديدة، عبثاً منذ تعيينه في هذا المنصب بعد إعادة انتخاب أردوغان في حزيران/ يونيو، إلى طمأنة الأسواق التي تنظر بقلق إلى هيمنة الرئيس في شكل متزايد على الشؤون الاقتصادية.