وصل أمس رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، إلى واشنطن في زيارة هي الأولى منذ توليه منصبه مطلع الشهر الماضي. تناولت الزيارة مواضيع مهمّة، مثل التجارة الحرّة ومستقبل «حلف شمال الأطلسي» وأمن المتوسّط وليبيا. ويبدو أن هناك تفاهماً بين كونتي وترامب حول الخطوط العريضة في هذه الملفات، أساسه القواسم المشتركة بينهما على المستويين السياسي والشخصي، ما قد يمثل نواة تحالف أوثق بين بلديهما.يبدو أن العلاقة بين رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، لها أفق رحب. فعلامات التقارب بينهما تشتد يوماً بعد آخر، وهي كانت قد بدأت منذ فترة مبكرة، أي بعد أيام فقط على تولي كونتي منصبه. في الثامن والتاسع من الشهر الماضي، قال الرئيس الأميركي على هامش قمة «مجموعة الدول السبع» في كندا، إن كونتي «متشدد جداً تجاه الهجرة، مثلي»، مضيفاً: «سيقوم بعمل رائع، الشعب الإيطالي أحسن صنعاً!». ورداً على الإطراء، نشر كونتي على حسابه في «فايسبوك» صورة له مع ترامب كتب عليها تعليقاً يقول: «تحالف تاريخي، صداقة جديدة».
القواسم السياسية المشتركة بين الرجلين كثيرة، فكما أشار ترامب، كلاهما متشدد حيال الهجرة على طريقته، سواء في رفض قبول مهاجرين والسعي لبناء جدار مع المكسيك أو الدفع لتعديل «اتفاقية دبلن» وبناء مراكز استقبال خارج حدود الاتحاد الأوروبي. الهجرة ليست ملف التوافق الوحيد، بل كذلك التجارة الحرة، ففيما توجه ترامب بالنقد لـ«اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية» مع كندا والمكسيك وانسحب من «اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ» ويسعى إلى مزيد من فرض قيود ضريبية على بلدان الاتحاد الأوروبي الذي اعتبره «عدواً تجارياً»، رفض كونتي التصديق على «اتفاق التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي وكندا» ويحمل آراء مشككة في الاتحاد نفسه، كان آخرها ما قاله لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن تكون «أكثر صرامة» في مفاوضات «بريكست».
طالب كونتي ترامب بأن تكون إيطاليا «المحاور الأساسي» للأميركيين حول الملف الليبي


تماشياً مع المواقف الناقدة للاتحاد الأوروبي، عبّر كلا الزعيمين عن توجّه مشابه في العلاقات مع روسيا، وهو أمر يلقى نقداً شديداً في أوساط النخب والإعلام الأوروبية والأميركية. إحدى نقاط الالتقاء في هذا الملف، تعبير كونتي وترامب عن إرادتهما في إعادة عضوية روسيا ضمن «مجموعة الدول السبع» التي سُحبت منها في عام 2014 بعد ضمّ شبه جزيرة القرم (أثناء عضوية روسيا كانت المجموعة تسمى «مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى»).
مع ذلك، نقلت أمس وسائل إعلام إيطالية أن كونتي يسعى لأن يلعب دور «وساطة» بين أميركا والاتحاد الأوروبي. ولا تنبني ثقة رئيس الوزراء الإيطالي في لعب دور فعال في العلاقات على التقارب في الخط السياسي مع الإدارة الأميركية فقط، بل كذلك على ما أطلقت عليه جريدة «واشنطن بوست» في مقال لها بمناسبة الزيارة «توافقاً روحياً» بين الرجلين.
ويأتي الوصف من مجموعة من الخصال الشخصية المتشاركة، منها مثلاً أن كليهما كان مغموراً في عالم السياسة، وكليهما شهد بروزاً سريعاً دون أن يكون زعيما حزبياً، حيث صار جوزيبي كونتي رئيساً للوزراء بتوافق بين حركة «خمس نجوم» وحزب «الرابطة» (رابطة الشمال سابقاً) الفائزين في الانتخابات، وصار ترامب رئيساً بدعم من «الحزب الجمهوري»، كذلك يتبنى كلاهما خطاباً شعبوياً انتقائياً يضخّم تفاصيل صغيرة ولا يأبه ضرورةً للحقائق، بل يستهدف أساساً المشاعر ويستثمر في مخاوف الناس.

أية مشاريع ممكنة؟
لم يمضِ وقت طويل بعد انعقاد قمة «مجموعة الدول السبع» حتى أعلنت الرئاسة الأميركية تنظيم زيارة لكونتي، وقالت حينها في بيان لها إن إيطاليا «حليف مهم في الناتو، وشريك بارز في أفغانستان والعراق ولها دور حاسم في تحقيق الاستقرار في المنطقة المتوسطية». تكتسب هذه الجملة القصيرة أهمية كبرى في السياق الدولي والإقليمي الحالي، فعلاوة على أنها تكثف أهم الملفات التي تداولها الزعيمان، تظهر ميلاً نحو تفضيل إيطاليا على جيرانها الأوروبيين في سياق التوتر بين أميركا والاتحاد.
ويبدو كونتي مستعداً لاستغلال التوتر لمحاولة سحب البساط من تحت أرجل فرنسا التي حقق رئيسها إيمانويل ماكرون إنجازات في بلدان المتوسط وأفريقيا على حساب إيطاليا، خاصة في الملف الليبي الذي تعتبره الأخيرة اختصاصاً شبه حصري لها. ضمن هذا الإطار، تعلقت أولى الملفات الكبرى التي وضعها رئيس الوزراء الإيطالي على طاولة البيت الأبيض بإنشاء «غرفة تحكّم دائمة» بين البلدين في المتوسّط لمقاومة الإرهاب، وتعزيز الأمن، ومقاومة الهجرة تكون تحت إشراف وزراء الخارجية والدفاع من الجهتين.
علاوة على ذلك، طلب كونتي دعم الولايات المتحدة لعقد قمة حول ليبيا في إيطاليا، كان قد تحدث عنها قبل نحو شهر في قمة «الناتو»، ويبدو هذا الطلب ردّ فعل على القمة التي عُقدت في باريس نهاية شهر أيار، والتي تعارض إيطاليا أهمّ مخرجاتها، وهي عقد انتخابات في كانون الأول من هذا العام. لكنّ كونتي لم يقف عند ذلك الحد، حيث طالب ترامب بأن تكون إيطاليا «المحاور الأساسي» للأميركيين حول الملف الليبي والمرجع الأوروبي بخصوصه. في مقابل ذلك، وهو أمر أشار إليه بيان البيت الأبيض على نحو مبطّن، ستحافظ إيطاليا على دعمها للمواقف الأميركية ووجودها العسكري في أفغانستان وعلى جهودها في العراق وسوريا، وهي مناطق لا توجد لها فيها مصالح كبرى.
في ما يخص الملف التجاري وفرض أميركا قيوداً ضريبية جديدة، نقلت جريدة «لا ستامبا» الإيطالية أن كونتي طالب ترامب بتوفير «ضمانات بعدم مسّ مصالح الشركات الإيطالية» خاصة في «قطاع الصناعات الغذائية وقطاع صناعة السيارات الفاخرة». وأشارت تقارير إلى ارتياح إيطاليا للمحادثات التي أجراها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر مع ترامب يوم الأربعاء، وتسعى إلى تطبيق التفاهمات بينهما في أسرع وقت.
لكن ذلك لا يعني أن كل شيء على ما يرام، فرغم تشديد نائب رئيس الوزراء وزعيم حركة «خمس نجوم» لويجي دي مايو، أمس، على «ضرورة أن تبقى إيطاليا في حلف الناتو»، تشير تقارير إلى عجز البلد عن رفع مساهمته في ميزانية الحلف إلى 2 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، فكيف بنسبة 4 في المئة التي طالبهم بها ترامب، وهو ما قد يمثل حجر عثرة في طريق تطوير العلاقات والمشاريع المشتركة التي تبدو طموحة أكثر مما يتحمّل الواقع.