على الرغم من عدم مشاركته في الانتخابات التي ستجرى، اليوم، في زيمبابوي، لا يزال «أكبر رئيس في العالم»، روبرت موغابي، محط أنظار الصحافة المحلية والعالمية. فلأول مرة منذ استقلال البلاد في 1980، لن ينافس الرئيس البالغ من العمر 94 عاماً على الكرسي الذي لم يعرف غيره لأكثر من ثلاثة عقود ونصف عقد، في خطوة لم يتوقعها من تابع مسيرة موغابي السياسية.«سيخوض الانتخابات ولو كان جثة هامدة»، أكّدت زوجة الرئيس، غريس، في شباط العام الماضي، مشيرة إلى أن «الشعب يريد ذلك!». ولكن بعد 8 أشهر من عيد الرئيس الـ 93، أُجبر موغابي على الاستقالة من قبل الجيش وحزب «الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي ــــ الجبهة الوطنية (زانو - بي اف)» الذي ترأّسه لسنوات عدّة، قبل أن ينقلب عليه ويعزله في جلسة برلمانية في تشرين الثاني الماضي.
وخلال خطاب جماهيري ألقاه أمس، قال الرئيس السابق، الملقّب بـ«أبو الاستقلال» إنه «لن يصوّت» لـ «زانو - بي اف» في الانتخابات، متهماً الرئيس الحالي إمرسون منانغاغوا (75 عاماً)، الملقب بـ«التمساح»، بـ«الاستيلاء على السلطة في البلاد بطريقة غير قانونية». ويتنافس في انتخابات اليوم كل من الرئيس الحالي للبلاد، ومرشح المعارضة وقائد «حركة التغيير الديموقراطي» نيلسون شاميسا، وهو محام شاب لا يتجاوز عمره الـ 40 عاماً.
وعشية الاقتراع، اتهمت المعارضة، في مقدمها شاميسا، اللجنة الانتخابية بـ«الانحياز لمصلحة منانغاغوا»، معلنةً تسجيل «مخالفات عديدة في الحملات الانتخابية ومرحلة ما قبل التصويت».
وفي حين تشير استطلاعات رأي إلى تقدم منانغاغوا بـ«فارق بسيط» على شاميسا، فإنها تؤكد «التأثير» الكبير لموغابي على نتائج الانتخابات حتى من دون المشاركة فيها.
ويحتل الرئيس المخضرم مساحة كبيرة في المشهد السياسي في بلاده، نظراً إلى تاريخه الطويل بالحكم وشخصيته «الفريدة» ومواقفه «المثيرة للجدل» التي جذبت أنظار العالم كله في الماضي.

نهاية حكم رئيس «معاد للغرب»؟
تفاعلت الصحف العالمية مع أول انتخابات زيمبابوية من دون موغابي، ونشرت المجلة الأميركية «فورين بوليسي» مقالاً بعنوان «لقد حان الوقت لكي تدفع الولايات المتحدة نحو تحسين زيمبابوي»، قالت فيه إن الانتخابات هي فرصة لكي تعمل واشنطن باتجاه زيمبابوي «أكثر ديموقراطية» مع خروج موغابي من الصورة.
ومنذ بداية القرن الحالي، غالباً ما تصدّر موغابي عناوين الصحف العالمية بسبب انتقاداته اللاذعة للولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة، وخاصةً بريطانيا. ويرى المراقبون أن الرئيس، الذي ينتمي إلى «الشونا» (وهو فصيل عرقي يشكّل 80% من زيمبابوي)، لم يتحرر من «حقده» تجاه المستعمرين القدامى، الأمر الذي تجلّى في أكثر من مناسبة وفي قراراته التي تسببت في «إشعال نار» بين بلاده والدول الغربية.
فبعيداً عن تصريحاته ضد السياسات الغربية في الشرق الأوسط وأفريقيا، فرض موغابي، وهو أحد أبرز محاربي الاستعمار، «برنامج الإصلاح الزراعي» عام 1999، أعطى بموجبه الأراضي «غير المستغلة» التي يملكها المزارعون البيض (كانت تشكّل أكثر من 70 في المئة من الأراضي الخصبة في البلاد) إلى السكان الأصليين، ما أدى إلى هجرة العديد من ذوي الأصول الأوروبية.
يحتل الرئيس المخضرم مساحة كبيرة في المشهد السياسي


إثر هذا القرار، اتهمت بريطانيا موغابي بـ«الديكتاتورية» و«العنصرية ضد البيض وباغتصاب أراضيهم»، وحظرت الدول الغربية دخول «الديكتاتور» إلى أراضيها. وكذلك فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على البلد. وترى «فورين بوليسي» في العقوبات الاقتصادية الأميركية «ورقة ضغط رابحة» باستطاعة واشنطن استخدامها في حال فوز منانغاغوا بالانتخابات الرئاسية.
«وفي حين أن فوز منانغاغوا في متناول اليد، فإن تعزيز شرعيته هو التحدّي الحقيقي. هذه النقطة تشكل مصدر قوة بالنسبة الى الولايات المتحدة، التي تستطيع أن تضغط على منانغاغوا شخصياً»، تؤكد المجلة الأميركية، مشيرة إلى أن اسم الرئيس الحالي مدرج على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، ما يشكل «مصدر إحراج» كبير بالنسبة إليه.
وفيما تنبه المجلة من ضبابية المشهد في البلد الأفريقي، إلا أنها تدعو الولايات المتحدة إلى اتخاذ سلسلة إجراءات حازمة وثابتة مهما كانت نتائج التصويت.
«يجب على الولايات المتحدة أن تحدد لكل من منانغاغوا ومرشح المعارضة نيلسون شاميسا معايير الشرعية بالنسبة إليها»، كتبت «فورين بوليسي»، مضيفة «بالطبع، ليس بإمكان الولايات المتحدة أن تطلب نتيجة معينة في الانتخابات، لكنها لا يمكن أن تقبل بتمثيلية زائفة». أما النقطة الثانية، فتتعلق بسياسة «العصا والجزرة» أو مبدأ الثواب والعقاب الذي تتبعه واشنطن في تعاملها مع زيمبابوي، منتقدة السياسة الأميركية الخارجية التي اعتمدت على «العصا» أي العقوبات، أكثر من «الجزر» أي تقديم «مساعدات» للرئيس المنتخب تساهم في «تنشيط الاقتصاد».
والنقطة الثالثة، وفق الصحيفة، هي ضرورة أن تصبح «معايير الشرعية» الأميركية هي المعايير التي تتقيد بها زيمبابوي، داعية واشنطن إلى «التغلب على افتقارها إلى الإرادة» و«اغتنام الفرصة والعمل على تحسين زيمبابوي».