في هذا السياق، يرى الكاتب الروسي في صحيفة «إزفستيا»، كيريل كوكتيش، أنه «يمكن ملاحظة الجانب التكتيكي في طروحات ترامب بلا عناء»، معتبراً أنّ «لدى ترامب أسباباً سياسية داخلية تجعله يضغط على أوروبا بشكل قاس، باسم حماية المصالح الأميركية. فأولاً، هذا استعراض مهم أمام ناخبيه قبيل الانتخابات النصفية، لمنهجيته وحسمه في الدفاع عن مصالح أميركا؛ وثانياً هذا الضغط يشكل فضاءً جديداً للاتصالات اللاحقة مع أوروبا». يتابع كوكتيش: «لا تقتصر المسائل على الشأن الداخلي، إذ ثمة مشكلة في أوروبا نفسها، بل الأصح في ما سيكون عليها أن تعيشه من تحولات في الأفق المنظور. فحركة الاتحاد الأوروبي المستقبلية ستسير في أحد اتجاهين: إما التوجه نحو مركزية السلطة وتوطيدها، أو التحوّل إلى مجرد إقليم وأرض. السؤال الذي يتأتى عن ذلك، بالنسبة إلى ترامب، وهو أي أوروبا توافق المصالح الأميركية، ليس ظرفياً، بل يمتد على المدى الطويل». ويلفت الكاتب إلى أن أوروبا ضرورية للولايات المتحدة كسوق وليس كمنافس، «رغم التقارب التاريخي والأيديولوجي بينهما، وهذا يعني أنّه حين ستختار أوروبا بين الاندماج والتفكك، لن يكون خيار الاندماج في مصلحة واشنطن الحالية».
صحيفة ألمانية: الحرب التجارية التي تخوضها واشنطن، تجعل الصين تتقرّب من الاتحاد الأوروبي
على نحوٍ سريع، بدأ مسؤولو الاتحاد الأوروبي يُقدمون على خطوات واضحة وسريعة خوفاً على مصالحهم، منها الانفتاح على الصين، ونسبياً على إيران، والابتعاد عن أجندة واشنطن في أفق تحقيق استقلالية «القرار الأوروبي»، وهو الأمر الذي جعل وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس، يصرح الأسبوع الماضي بأنّه «لا يمكن الثقة بشكل مطلق بالبيت الأبيض». كذلك، استنكر المسؤولون الأوروبيون، على مستوى الحكومات والمفوضية تصريحات ترامب وقوله إن «اللقاء مع بوتين أحسن بكثير من الاجتماع مع رؤساء الدول والحكومات لحلف الأطلسي»، ليعود ترامب ويصف «الاتحاد بالعدو التجاري لبلاده»، ناصحاً رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، برفع دعوى ضد بروكسل في المحاكم الدولية بسبب المفاوضات الصعبة حول «البريكست».
ووفق ما تناقلته وسائل إعلام عالمية، فإنّ مصادر سياسية رفيعة في المفوضية الأوروبية قالت في حينه إنّ الاعتقاد السائد في أوروبا كان في «رهان ترامب على اتخاذ إجراءات اقتصادية تهدف إلى التضييق على الصين في المقام الأول للحد من تطورها على حساب المبادلات التجارية الأميركية ــــ الصينية التي تميل إلى الأخيرة، وسط ترشيح معظم الخبراء الدوليين للصين لزعامة العالم خلال العقدين المقبلين»، لكن المفاجأة كانت في «تركيز ترامب على أوروبا، إلى مستوى اعتبارها عدواً تجارياً، رغم العلاقات التاريخية التي تجعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ركيزة الغرب».
شرق آسيا... للنجاة؟
لم يقف الاتحاد مكتوف الأيدي أمام هجمات ترامب، فقد بدأ اتخاذ خطوات مستقلة لتعزيز تجارته الخارجية بعيداً عن الإجراءات الأميركية. ومن أول هذه الإجراءات قرار وزراء خارجية أوروبا، الإثنين الماضي، حماية الشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران في مواجهة العقوبات التي تلوّح بها واشنطن. وعلى رأس الإجراءات السماح للبنوك الأوروبية بالتحويلات المالية بعملة اليورو إلى إيران مقابل البترول ومواد أخرى، وفي الوقت نفسه الترخيص للبنك الأوروبي بالاستثمار وتمويل مشاريع في إيران رغم المعارضة الأميركية، في محاولة للانفتاح على إيران رغم الضغط الأميركي.
الصين أيضاً التي توجّه إليها الأوروبيون، يبدو أنّها تستغل بدورها الخلافات الأميركية ــــ الأوروبية، لكن الأوروبيين قد يشعرون بقلق متزايد من هذه القوة وتوسعها الاقتصادي وخططها لفتح طرق الدخول إلى القارة القديمة، إضافة إلى نشاطاتها في شراء الشركات الأوروبية.
في هذا الخصوص، يرى الكاتب الروسي أسيلي كولتاشوف أنّ «بكين خلصت إلى ضرورة تعزيز نفوذها في أوراسيا والاتحاد الأوروبي وعلى عتباتهما». ويضيف كولتاشوف: «لدى الصين، بمواردها المالية الضخمة، فرصة لاستغلال نقاط الضعف في البيت الأوروبي المشترك الذي اعتادت برلين وبروكسل حساب أرباحه لنفسيهما، وتتمثل نقاط الضعف هذه في عدم وضوح هياكل الاتحاد الأوروبي، ووجود مراكز، إلى جانب هوامش مضطهَدة فاقدة الأمل في التنمية».
من وجهة ثانية، كتبت صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية أن الحرب التجارية التي تخوضها واشنطن، تجعل الصين تتقرب حُكماً من الاتحاد الأوروبي، وتضيف الصحيفة: «التقارب بدا واضحاً خلال القمة الصينية ـــ الأوروبية التي انعقدت في 16 تموز الماضي. الطرفان أكَّدا ضرورة تكثيف تعاونهما، خاصة في المجالات الاقتصادية والبيئية في عهد دونالد ترامب، واكتشف الأوروبيون والصينيون أن مصالحهم المشتركة ليست محدودة في إطار الاقتصاد، بل تتخطاها إلى شؤون البيئة». ولفتت الصحيفة إلى أن الجانبين «يرغبان في إنقاذ الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني... وأيضاً لبروكسل وبكين توجهات ومصالح مشتركة في القارة الأفريقية».