تكثّف طهران نشاطها بمواجهة الضغوط الأميركية، وهي تسعى في سبيل ذلك، على أكثر من جبهة، إلى استباق دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ، وتجنيب الاقتصاد والأمن والنفط ترددات هجمة واشنطن. وإلى جانب التحرك الديبلوماسي الواسع، يقوم وفد عسكري رفيع بمحاولة تعزيز العلاقات الأمنية مع الجار الباكستاني، في وقت اختارت الديبلوماسية الإيرانية رفع دعوى في محكمة العدل الدولية ضد قرار واشنطن إعادة العقوبات.اتسمت زيارة رئيس هيئة الأركان في الجيش الإيراني، محمد باقري، إلى باكستان، بطابع غير روتيني، على رغم العلاقات الوطيدة أمنياً واقتصادياً بين طهران وإسلام آباد. فالتطورات التي تحيط بالجمهورية الإسلامية تجعل من التواصل المعمق مع الجار الباكستاني، الذي تتشارك معه حدوداً برية بطول ألف كلم تُعدّ خاصرة رخوة قابلة للاختراق الأمني، علامة فارقة في مساعي طهران لتحصين ساحتها على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. وهو ما يشكل حاجة إيرانية أكثر من أي وقت مضى أمام الضغوط الأميركية المتصاعدة، وآخرها إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دعم بلاده التام للمحتجين ضد النظام، في مقابلة أجرتها معه شبكة «فوكس نيوز» عقب قمة هلسنكي.
وأسفرت جولة باقري، وبالخصوص لقاؤه نظيره الباكستاني قمر جاويد باجوا، عن جملة تفاهمات للارتقاء بمستوى التنسيق العسكري والأمني بين البلدين، إضافة إلى التعاون الدفاعي. وأعرب وزير الخارجية الباكستاني، عبد الله حسين هارون، في بيان عقب لقائه باقري، عن رغبة بلاده في تطوير التعاون مع طهران «بما يخدم مصلحة الطرفين ويساهم في إرساء السلام والاستقرار في المنطقة»، مشيداً بما حققه البلدان من «تقدم جيد في مجالات تنمية التجارة والاتصالات والعلاقات الثقافية وزيادة الاتصالات الشعبية خلال الأعوام الأخيرة».
أكدت إيران وجود إمكانية لاستحداث أساليب تسمح بـ«بيع نفطنا»


عدم كون زيارة الوفد العسكري الإيراني تقليدية تؤكده جملة مؤشرات، إضافة إلى توقيت الزيارة. فجولة باقري، التي استمرت ثلاثة أيام، أتت بعد زيارات مشابهة قام بها إلى سوريا وتركيا وروسيا في إطار ما يسميه الإيرانيون «الديبلوماسية الدفاعية». وفي تصريحات الجنرالات الإيرانيين تأكيد على أن الزيارة، التي تحمل شعار «الإرهاب العدو المشترك للبلدين»، تُعدّ الأهم من نوعها على الإطلاق خلال العقود الأربعة الماضية. وفي خطوة لافتة وذات دلالات على نية البلدين تعزيز التعاون الأمني، قام الوفد الإيراني بتفقد المناطق العملياتية الحدودية شمال باكستان، أمس، في ولاية خيبر بختونخوا، المحاذية لأفغانستان. وفي المحادثات التي أجراها الوفد الإيراني مع الرئيس الباكستاني، ممنون حسين، ومختلف القيادات العسكرية، حضر ملفا التعاون الحدودي ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى تعزيز التعاون العسكري في مجالات عدة بينها التدريب وخطط إنتاج صناعات عسكرية مشتركة.
بموازاة «الضمانات» التي تسعى إيران لتحصيلها بما يتناسب ومواجهة المرحلة المقبلة، من خلال تعزيز التعاون مع الجيران والحلفاء والأصدقاء، ديبلوماسياً وأمنياً واقتصادياً، تنتظر طهران المزيد من الضمانات الأوروبية للحفاظ على مكتسبات الاتفاق النووي. وشددت الحكومة الإيرانية، على لسان المتحدث باسمها محمد باقر نوبخت، على ضرورة ضمان استمرار بيع النفط، إلى جانب قضايا النظام المصرفي وقطاع التأمين والبتروكيماويات والملاحة. واستبعد نوبخت نجاح الولايات المتحدة في تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، وفق تقديرات للحكومة الإيرانية كررها، أمس، نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، الذي وصف مخطط واشنطن لتصفير التوريد بـ«الوهم»، مؤكداً إمكان استحداث «أساليب لبيع نفطنا». وشدد نوبخت، أمس، على ضرورة أن تشمل الضمانات الأوروبية تسهيل عملية بيع النفط الإيراني ومنح إيران ضمانات في هذا الشأن. ورأى أن ترامب، وضمن مساعيه في حث الدول على مسايرة نهجه ضد إيران، واجه عدم اكتراث من قِبَل هذه الدول. وتطرق المتحدث باسم الحكومة إلى زيارة مبعوث المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، إلى موسكو، مشيراً إلى أن بلاده حصلت على تأكيد روسي في شأن الاستثمار في البنى التحتية الإيرانية ذات الصلة بالمشاريع السككية والحقول النفطية وزيادة منسوب الحوافز للإبقاء على الاتفاق النووي. وأوضح نوبخت أن مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان الإيراني، المتصلة بمكافحة عمليات غسيل الأموال، تمنع في حال إقرارها ذرائع استهداف النظام المصرفي الإيراني، وتسد الطريق أمام أي استغلال اقتصادي.
ومع النشاط الإيراني على أكثر من جبهة، اختارت طهران في مواجهة الضغوط الأميركية اتباع الطرق القانونية؛ إذ تقدمت، أول من أمس، بشكوى أمام محكمة العدل الدولية ضد إعادة فرض العقوبات، بحسب ما أكدت أمس وزارة الخارجية الإيرانية. وأشار وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى أن الشكوى تهدف إلى «تحميل الولايات المتحدة مسؤولية إعادة فرضها عقوبات أحادية في شكل غير مشروع»، مضيفاً أن «إيران تتمسك بسيادة القانون في مواجهة ازدراء الولايات المتحدة للديبلوماسية والالتزامات القانونية. يجب التصدي لخرقها المعتاد للقانون».
(رويترز، أ ف ب، الأناضول)