مقابل العزلة التي تحاول واشنطن فرضها على طهران، تواصل إيران حملة ديبلوماسية موسعة تستهدف تعزيز العلاقات مع مختلف الدول، من طريق رسائل يبعث بها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى نظرائه، تتضمن شرح وجهة نظر بلاده للعالم تجاه تطورات ملف الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي منه وعودة العقوبات. في هذا الإطار، حط موفد روحاني، مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، في بيروت، حيث التقى الرئيس اللبناني، ميشال عون، وسلمه رسالة من نظيره الإيراني، إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية جبران باسيل. وأعرب عون للضيف الإيراني عن «أسفه» للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، «الذي كان اعتبره لبنان ركناً أساسياً للاستقرار في المنطقة»، مبدياً ترحيبه بمواصلة بقية الدول التزامها بالاتفاق. من جهته، لفت أنصاري إلى وجود إرادة دولية «حقيقية للتقيد بالاتفاق»، لكن هناك «مفاوضات فنية لم تصل إلى خواتيمها بعد لترجمة هذه الإرادة ووضعها قيد التنفيذ»، مضيفاً أن مصير الاتفاق رهن بضمان حقوق بلاده ومكتسباتها السياسية والاقتصادية عبر «نجاح التطبيق». وبالقدر الذي يحضر فيه الاهتمام الإيراني بملف العقوبات الأميركية المرتقبة وتداعياتها، تنكبّ الولايات المتحدة على الملف الإيراني لضمان أكبر نجاح ممكن لتأثير العقوبات على طهران، أو الاستحصال على تراجع إيراني سريع يؤمن للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «صفقة جيدة» جديدة ترث الاتفاق النووي. من هنا، حضرت إيران في ملفات قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين الروسي والأميركي. من «القضايا الحساسة»، التي جرى بحثها، وفق ترامب، «الحرب في سوريا، وقضية إيران والإرهاب العالمي، والحد من الأسلحة النووية». وأشار ترامب إلى أنه أكد لنظيره الروسي أهمية «الضغط على إيران». وبمعزل عن آثار المحادثات على الملف الإيراني، وطبيعة الرد الروسي على رسائل ترامب، لا يبدو أن الأميركيين لا يزالون بالثقة نفسها من قدرتهم على فرض إجراءات حظر مُطبِقة على اقتصاد إيران ونفطها. وهذا ما ظهر في كلام لوزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، نُشر أمس، أكد فيه أن واشنطن ستدرس إعفاءات في «حالات معينة» للدول من الحظر على النفط الإيراني، وذلك لسببين: تجنب التأثير في أسواق النفط العالمية لدى إعادة فرض العقوبات، وحاجة تلك الدول إلى «مزيد من الوقت». ورفض الوزير الأميركي اعتبار الإجراء المرتقب من نوع الإعفاءات الكاملة التي مُنحت في جولة العقوبات الماضية، موضحاً: «(أننا) نريد من الناس خفض مشترياتها من النفط إلى الصفر، لكن في حالات بعينها إذا لم يكن باستطاعتهم القيام بذلك بين عشية وضحاها سندرس إعفاءات».
تحاول طهران إفشال محاولات الأميركيين الضغط على «أوبك» وأعضائها


وإلى جانب عدم تجاوب بعض «الحلفاء»، وتعذر تطبيق حظر يصل إلى درجة تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، تواجه واشنطن رفضاً أوروبياً للتجاوب مع مطلب عزل إيران اقتصادياً. وأمس، أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بروكسيل، إقرار آلية قضائية لحماية الشركات الأوروبية العاملة في إيران أو المتعاملة معها عبر «تحديث نظام العرقلة»، الذي سيكون نافذاً من تاريخ السادس من آب المقبل. وقالت موغيريني: «(إننا) سنتخذ كل الإجراءات لجعل إيران قادرة على الاستفادة اقتصادياً من رفع العقوبات»، مشيرة إلى أن «التطبيق لن يكون سهلاً، لأن وزن الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي لا يستهان به». وتابعت: «لست قادرة الآن على التأكيد بأن جهودنا ستكون كافية، إلا أننا سنبذل كل ما في وسعنا». من جهته، أشار وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى وجود تعاون أوروبي مع الصين وروسيا «على إيجاد آلية مالية تضمن لإيران أن تبقى قادرة على تصدير نفطها». وتفيد المعلومات حول الآلية التي تحدث عنها الوزير الفرنسي بأن شراء النفط الإيراني سيجري باليورو بدلاً من الدولار، من طريق تحويلات بين المصارف المركزية في أوروبا ومصرف إيران المركزي.
أهمية التصريحات الأوروبية أنها تأتي في سياق تأكيد جدية النوايا التي أُعلن عنها في اجتماع فيينا الأخير للدول الموقعة على الاتفاق النووي، ومن جانب آخر عقب جولة ترامب الأوروبية وقمة «الناتو»، حيث حاول الرئيس الأميركي إقناع الأوروبيين بضرورة الانضمام إلى حملة ضغوطه على طهران. لكن الأخيرة تبقى معنية بحماية مبيعاتها النفطية، من خلال منع محاولات الأميركيين الضغط على «أوبك» وأعضائها لرفع الإنتاج. وهو ما اقتضى أمس إرسال وزير النفط الإيراني، بيجين زنغنه، رسالة إلى نظيره السعودي، خالد الفالح، حذر فيها من أن اتفاق «أوبك» الأخير لا يعطي أعضاء المنظمة «الحق في زيادة الإنتاج فوق المستويات المستهدفة لكل منهم». وتأتي رسالة الوزير الإيراني بعد خطاب وجهه الفالح للمنظمة قال فيه إنه لن يتم الإعلان عن مستوى التزام كل دولة باتفاق إنتاج النفط من الآن فصاعداً، ما يعني التحول من إعلان مستوى امتثال كل دولة على حدة إلى إعلان عن مستوى الالتزام الإجمالي. وهو ما ترى فيه طهران مخالفة للاتفاق الجديد، وباباً لتنفيذ الضغوط الأميركية بتعويض النفط الإيراني بعد دخول العقوبات حيز التنفيذ.