في توقيت لا يخلو من دلالات، بدأت، أمس، في مدينة جدة السعودية فعاليات ما سُمّي «المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلام والاستقرار في جمهورية أفغانستان»، بمشاركة 105 علماء من السعودية وأفغانستان ومصر والسودان والمغرب ودول أخرى. وتتمثل أهمية المؤتمر، الذي يُختتم اليوم في مكة بإعلان باسم «إعلان مكة»، في سِمَتين رئيستين: أولاهما أنه يأتي في وقت تتكثف فيه الجهود الأميركية لعقد مشاورات سلام بين حركة «طالبان» وكابول، وثانيتهما أنه يستبطن حديثاً عن وساطة سعودية في خضمّ تلك الجهود، قد تشكل بديلاً من الوساطة القطرية التي خفت الحديث عنها.وافتتح الأمين العام لـ«منظمة التعاون الإسلامي»، يوسف العثيمين، المؤتمر بكلمة قال فيها إن الهدف منه «دحض التأويلات الخاطئة لتعاليم الدين الإسلامي من قبل الجماعات الإرهابية، ونزع الشرعية عن أفعالها»، آملاً أن أن ينجح المؤتمرون في «تسهيل عملية المصالحة الوطنية في أفغانستان، وإيقاف جميع أعمال الإرهاب والتطرف». وحذّر وزير الشؤون الإسلامية السعودي، عبد اللطيف آل الشيخ، من جهته، من «الفرقة فكراً وشعوراً وانتماءً»، داعياً إلى «إظهار حكم الشريعة في الخروج عن طاعة ولاة الأمر، الذي يؤدي إلى الفتنة». دعوة يبدو لافتاً تزامنُها مع الدفع الأميركي نحو محادثات مباشرة بين حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني وحركة «طالبان»، التي طالبها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أول من أمس، بـ«ألا تنتظر خروجنا». وأبدى بومبيو، في زيارته الأولى منذ توليه منصبه لكابول، استعداد بلاده للمشاركة في محادثات من هذا النوع، مؤكداً في الوقت نفسه أنه «لن يكون بوسعنا إدارة محادثات السلام»، وأنه «قد تستدعي الحاجة دعماً من دول مجاورة».
رفضت «طالبان» المشاركة في المؤتمر وأسفت لرعايته من «منظمة التعاون»


وإلى جانب حضور الطيف الأميركي في مؤتمر جدة، برز في الكلمة التي ألقاها رئيس «مجلس علماء أفغانستان»، قيام الدين كشاف، خلال المؤتمر، قوله للمجتمعين: «(إننا) نطالبكم باسم علماء أفغانستان بدور وساطة، فالشعب (الأفغاني) ينتظر» (وكذلك في الكلمة التي ألقاها نائب كشاف، شفيق صميم، دعوته الملك السعودي إلى مطالبة قادة «طالبان» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات)، وهو ما يمكن عدّه إشارة إلى وساطة سعودية محتملة بين كابول و«طالبان». ومن شأن تحقق سيناريو من هذا النوع إزاحة قطر من المشهد الأفغاني، بعدما حضرت فيه بقوة لسنوات خلت بلبوس الوساطة، التي بلغت ذروتها عام 2014 بإطلاق سراح جندي أميركي كان محتجزاً لدى «طالبان» مقابل الإفراج عن خمسة سجناء من الحركة في «غوانتنامو» ونقلهم من كوبا إلى قطر.
ويطرح تقدُّم الرياض المحتمل للعب دور الوسيط علامات استفهام حول موقف «طالبان»، التي سبق لها أن رفضت عام 2012 الدخول في محادثات مع حكومة حامد قرضاي (آنذاك) في السعودية، مُؤثِرة وساطة قطر، التي افتتحت مكتباً تمثيلياً للحركة لديها عام 2013. وما يضاعف أهمية ذلك التحدي، أن «طالبان» رفضت، أخيراً، المشاركة في مؤتمر جدة، آسفة لكون «منظمة التعاون الإسلامي» هي التي تتولى رعايته. ورأت الحركة، في بيان، أنه كان أحرى بالمؤتمرين السعي إلى «إنهاء الاحتلال وليس لأجل إنهاء حرب مشروعة ضد القوات المحتلة وحلفائها».