لا تتوقف الورشة المتواصلة في طهران لمواكبة مرحلة الحرب الأميركية على النفط والاقتصاد الإيرانيين. آخر الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإيرانية كانت إقرار البرلمان خطة شاملة لمواجهة العقوبات الأميركية أطلق عليها تسمية «الخطة الفاعلة المضادة للحظر». يقول الإيرانيون إن ما ترعاه واشنطن مع حلفائها ليس مجرد حرب اقتصادية، بل حرب نفسية موازية تستهدف أشكال الاستقرار الداخلي كافة. في هذا السياق، أعلن الحرس الثوري، أمس، إلقاء القبض على شبكة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، اتهمهم بإدارة صفحات هدفها «إثارة الفوضى من خلال نشر أخبار كاذبة تستهدف الوحدة بين أطياف الشعب». هذه الحساسية التي يبديها النظام الإيراني راهناً، مردّها تلمّسه حجم العمل المعادي لطهران لدى واشنطن وحلفائها الخليجيين، وتجربة تأثر العملة المحلية بالإشاعات والأخبار التي تركز على الاقتصاد الإيراني. واتهم عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، كريمي قدوسي، أمس، السعودية بإنشاء مقر لها في السليمانية العراقية، وظفت فيه 13 شخصاً يعملون لشراء كل المسكوكات الذهبية والدولارات المعروضة في سوق طهران، بغية ضرب الاقتصاد الإيراني. وقال قدوسي إن الرياض أقدمت حتى الآن على شراء ثلاثة ملايين ونصف مليون مسكوكة ذهبية، وذلك في خلال شهرين فقط، أي منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، انسحابه من الاتفاق النووي.
الحراك الداخلي للتصدي للضغوط الأميركية، يسير بالتوازي مع تحرك ديبلوماسي إيراني في الخارج، بلغ ذروته مع جولة الرئيس حسن روحاني الأوروبية، واجتماع فيينا لوزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق النووي. اجتماع أعقبته جملة مؤشرات إيجابية، ترجح بقاء التعاطي الإيراني على وتيرته الإيجابية مع وثيقة فيينا، لا سيما في ظل الاستفادة القصوى من الخلافات الأميركية - الأوروبية في المرحلة الراهنة، والتي انعكست لمصلحة طهران في المفاوضات الإيرانية - الأوروبية. وأبرز تلك المؤشرات، حصول الإيرانيين على شبه إجماع دولي بوجه الحصار الذي يحاول ترامب ضربه على النفط الإيراني. وتكمن أهمية احتفاظ طهران بتصدير النفط في شكل مريح في كونها عاملاً رئيساً للمحافظة على أوراق القوة بيد النظام الإيراني، كون المطلوب أميركياً ضرب الجمهورية الإسلامية من نافذة الاقتصاد، وفق خريطة طريق الحصار والحظر التي أعلنها ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو. والجدير ذكره، هنا، أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، كان أكد، في تعليق له على نتائج اجتماع فيينا، بقاء إيران في الاتفاق النووي، وعدم انسحابها منه.
وفي تصريحات إعلامية، أعلن وزير النفط الإيراني، بيجين زنغنة، أنه لم يطرأ «أي تغيير كبير» على إنتاج النفط والخام والتصدير، لافتاً إلى وجود «خطط تعمل بنجاح» لدى بلاده مقابل تهديدات ترامب في شأن إيقاف مبيع النفط الإيراني. وجدد الوزير الإيراني انتقاداته للضغوط التي يمارسها ترامب على السعودية لزيادة الإنتاج، معتبراً أن «مثل هذه الجهود تزعزع استقرار سوق النفط». تصريحات زنغنة تبدو مدعومة بما صدر عن اجتماع فيينا الجمعة الماضي، إضافة إلى موقف الصين أيضاً، التي جدد أمس رئيس وزرائها، لي كي تشيانغ، من برلين، تأكيد دعم بكين للاتفاق النووي. الموقف نفسه تقاطعت معه المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في مؤتمر صحافي مشترك عقب لقائها رئيس الوزراء الصيني. ورأى لي كي تشيانغ أنه «ستكون هناك عواقب لا يمكن تخيلها في حال انهيار الاتفاق النووي مع إيران»، وأنه «لا بد من التمسك بالاتفاق».
وأقر وزير خارجية الهند، دارمنرا برادان، من جهته، بأن العقوبات الأميركية تشكل «تحدياً» لبلاده، كونها تحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من طهران وواشنطن، لكنه أشار إلى أن «مصالحنا الوطنية تأتي في الأولوية وقرارنا سيكون وفقاً لها». التصريحات الهندية المتريثة تشي بتمسك الحكومة الهندية بموقف حيادي في «حرب النفط» التي يخوضها ترامب، والانحياز لحسابات الربح والخسارة الخاصة بها، بعيداً من حسابات واشنطن. وهو ما يجعل المهمة معقدة أكثر أمام الأميركيين، الذين يعولون كثيراً على إخراج نيودلهي من السوق الإيرانية.
في المقابل، لا توقف الأجواء الدولية المائلة لمصلحة طهران الأميركيين عن متابعة ضغوطهم على إيران. وآخر التحركات الأميركية إعلان وزارة الخزانة، أمس، إدراج شركة سياحة تابعة لخطوط طيران إيرانية مملوكة للقطاع الخاص (ماهان) على لائحة الحظر، بمزاعم ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني.