«أجرينا اجتماعاً جادّاً وبنّاءً للغاية». بهذه العبارة اختصر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، نتائج اجتماع فيينا مع نظرائه من الدول الموقّعة على الاتفاق النووي، والذي عُقد لتدارس الضمانات الأوروبية للحفاظ على الاتفاق. محصلةٌ تقول إن طهران، وبعد أسابيع من المفاوضات والنقاشات عقب انقلاب واشنطن على الاتفاق، بدأت تلمس جدية لدى الأوروبيين في إبداء تمايز عن الأميركيين ودعم الاتفاق بضمانات عملية. وفق هذه الأجواء، يمكن الاستنتاج أن مكسباً كبيراً حققته دبلوماسية حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، تستطيع البناء عليه في مواجهة «الحرب الاقتصادية» التي تشنّها الولايات المتحدة. من الناحية السياسية، ثبّتت طهران نوعاً من «العزلة» على توجّه الإدارة الأميركية ضدها، عبر انتزاع تأكيد مترجم بخارطة طريق من القوى الكبرى المتمسّكة بالاتفاق. واقتصادياً، حصل الإيرانيون على «معابر شرعية» تكسر الحصار الأميركي وتلتفّ على إجراءات الحظر، لا سيما في مجالَي تصدير النفط والغاز والمعاملات المصرفية، ولو احتاج الاتفاق إلى آليات عملية على الدول تحديدها لاحقاً.هذا التوجه الذي أبداه المجتمعون في فيينا، أمس، لخّصه ظريف بالإشارة إلى أنه لمس «إرادة سياسية لمقاومة الولايات المتحدة». وبحسب انطباعات وزير خارجية إيران عن الاجتماع، فإنها «المرة الأولى التي يظهرون (وزراء الخارجية) فيها مثل هذا الالتزام على هذا المستوى، لكن علينا أن نرى لاحقاً ما يريدون فعلاً القيام به، وما هم قادرون عليه». وأضاف ظريف بلغة متفائلة: «بعد التوضيحات، الطرق قابلة للتحقيق تماماً، وإذا استمروا في إثبات هذه الإرادة السياسية التي أظهروها اليوم، فسيتمكنون من دفع الأمور قدماً من دون أي مشكلة».
بدأت طهران تلمس جدية لدى الأوروبيين في التمايز عن أميركا


وأعلن وزراء خارجية روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، في بيان مشترك عقب الاجتماع الذي دام لساعتين، عن 11 هدفاً ترمي إلى «توفير حلول عملية للإبقاء على تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران»، ومن بينها دعم صادرات النفط الإيراني، و«الحفاظ والإبقاء على قنوات مالية فاعلة مع إيران، واستمرار عمليات التبادل بحراً وبراً وجواً وعبر سكك الحديد، وتطوير تغطية الائتمان عند التصدير، ودعم واضح وفاعل للمشغلين الاقتصاديين الذين يتاجرون مع إيران»، إضافة إلى «تشجيع الاستثمارات الجديدة في إيران، وحماية المشغلين الاقتصاديين لجهة استثماراتهم وأنشطتهم المالية في إيران». وأشار البيان إلى أن ترجمة التفاهم إلى صيغة عملية هو ما ستعمل عليه الأطراف لاحقاً من خلال إعداد «حلول عملية... عبر جهود ثنائية».
ووفق تعليق مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، التي حضرت الإجتماع، فإن الأطراف جددوا التزامهم بالاتفاق النووي «بشكل تام وفاعل». وأكدت موغيريني أنه طالما أوفت طهران بالتزاماتها، فإنها ستواصل الاستفادة من المكاسب الاقتصادية التي ترتبت على رفع العقوبات عنها. وأوضحت أن جوانب التفاهم ستشمل «حماية القنوات المالية وتشجيع الاستثمار، وضمان تدفق النفط والغاز الإيرانيين، وتقديم الضمانات للشركات المتضررة من العقوبات الأميركية»، لافتة إلى أن اجتماعاً ثانياً لوزراء الخارجية سيُعقد لتعزيز هذه الجهود، من دون أن تحدد موعده. ومن المحتمل أن يُعقد الاجتماع المقبل على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب جواد ظريف، الذي أشار إلى أنه سيتم عقد اجتماعات مكثفة على مستوى الخبراء لوضع السبل العملانية للتفاهم.
بالنسبة إلى الموقف الإيراني، وعلى رغم تقييم ظريف «الإيجابي» للضمانات المقدمة، فإن الوزير الإيراني أبقى مصير هذا التفاهم رهن إشكاليتين: الأولى، رأي القيادة السياسية في طهران وردّها على إعلان فيينا. والثانية، أن المقترحات «لم تكن كافیة ولا دقیقة»، في إشارة إلى الحاجة لتعزيز الجانب العملي والتطبيقي لرزمة المبادئ، وهو ما ستوضحه الأيام المقبلة، ونتائج الاجتماعات المكثفة على مستوى الخبراء والتقنيين.