توصّل التكتل المحافظ، الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في وقت متأخر من مساء أمس، إلى تسوية خلاف بشأن ملف الهجرة كان ينذر بالإطاحة بائتلافها الحاكم. وبعد محادثات بينها وبين وزير الداخلية هورست سيهوفر الذي هدّد باستقالته على خلفية الملف نفسه، استطاعت ميركل وضع حدّ للمشكلة قبل تحوّلها إلى أزمة، ما يحفظ الحكومة من أي اهتزاز قد يعود بالفائدة على اليمين المتطرف في ألمانيا.
القرار يحافظ على «روح الشراكة»
عقب خروجه من المحادثات التي استمرت خمس ساعات، قال سيهوفر إنه باقٍ في منصبه بعد اتفاق مع حزب ميركل «سيوقف الهجرة غير الشرعية». سيهوفر، الذي يشغل أيضاً منصب زعيم «حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي»، أوضح لدى مغادرته مقر حزب ميركل في برلين، أن الاتفاق «يمنع المهاجرين غير الشرعيين مستقبلاً عند الحدود بين ألمانيا والنمسا». ويعني اتفاق التسوية أن سيهوفر سيتمكن من فرض ضوابط أشد على الهجرة، بينما ستتمكن ميركل من القول إن ألمانيا ملتزمة بقواعد الاتحاد الأوروبي، وتؤيّد حرية التنقل داخل التكتل. وأضاف: «أنا سعيد لأننا نجحنا في التوصل إلى اتفاق. لدينا الآن اتفاق قوي وواضح للمستقبل». وأوضح أن نقاط الاتفاق تتفق مع مقترحاته التي قدمها لمعالجة مسألة اللاجئين، مشيراً إلى أنه سيبقى في منصبه. ذلك مع العلم أن هذا الاتفاق بحاجة لأن يوافق عليه الشريك الثالث في الائتلاف الحكومي «الحزب الاشتراكي الديموقراطي».
من جانبها، قالت ميركل، في تصريحات للصحافيين عقب التوصل إلى الاتفاق، إنه «بعد معاناة وصراع عنيف وأيام صعبة، ما توصلنا إليه يُعدّ حلّاً توافقياً جيداً».
وتابعت أن هذا الاتفاق «سيحافظ على روح الشراكة داخل الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه يأخد خطوة محورية باتجاه السيطرة على الهجرة الثانوية، في إشارة إلى تنقل طالبي اللجوء بين دول الاتحاد».

خلفية النزاع
بدأ الخلاف بين ميركل وسيهوفر في منتصف حزيران/ يونيو الماضي، عندما تصدّت ميركل لخطة طرحها سيهوفر، ترمي إلى تشديد سياسة اللجوء. ورفضت ميركل تحديداً إجراءً أساسياً طرحه، ويقضي بردّ المهاجرين المسجّلين في بلد آخر من الاتحاد الأوروبي عندما يصلون إلى حدود ألمانيا. رفض ميركل جاء في إطار إصرارها على حلّ تعددي على المستوى الأوروبي لأزمة اللاجئين، وليس أحادياً.
سرعان ما تحول هذا الخلاف إلى حرب مفتوحة تهدّد بإسقاط الائتلاف الحكومي، الذي تشكل بصعوبة في آذار/مارس بين «الاتحاد المسيحي الاجتماعي» اليميني المتشدد و«الاتحاد المسيحي الديموقراطي» (يمين الوسط بزعامة ميركل) والاشتراكيين الديموقراطيين. من بين آثار هذا الأمر، تعثُّر اليورو خلال الخلاف الذي استمر أسبوعاً والذي اقترب معه التحالف المستمر منذ 70 عاماً بين الحزبين إلى نقطة الانفصال.
قالت النمسا إنها مستعدة لاتخاذ تدابير مماثلة ورفض طالبي لجوء عند حدودها الجنوبية


«مراكز عبور» لا مراكز إيواء
تضمنت التسوية قراراً يقضي باحتجاز المهاجرين الذين تقدموا بالفعل بطلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي في «مراكز عبور» على الحدود، بينما تتفاوض ألمانيا على اتفاقات ثنائية بشأن عودتهم. يُعدّ هذا القرار أحد آثار قرارات ميركل عام 2015 فتح حدود ألمانيا أمام أكثر من مليون لاجئ من دول الشرق الأوسط وأفريقيا. وينص الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بين المستشارة ووزير الداخلية، على أن أي مهاجر غير شرعي يصل إلى ألمانيا بعد أن يكون قد تم تسجيله في دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي، يتم نقله إلى «مركز عبور» يقام على الحدود الألمانية، بدلاً من أن يُنقل إلى مراكز إيواء موزعة في سائر أنحاء ألمانيا. بعد نقل هذا المهاجر إلى هذا المركز، يُصار إلى دراسة ملفه، وبعد الانتهاء من ذلك، تتم إعادته إلى الدولة الأوروبية التي أتى منها، وذلك في إطار اتفاق إداري مع الدولة المعنية.

النمسا: سنحمي حدودنا
من التداعيات الأوّلية للقرار الألماني، أعلنت الحكومة النمساوية، اليوم، استعدادها لاتخاذ إجراءات من أجل «حماية حدودها»، خصوصاً تلك المشتركة مع إيطاليا وسلوفينيا. وأوضحت الحكومة النمساوية، في بيان، أنه في حال أقرت الحكومة الألمانية الاتفاق «سنكون مضطرين لاتخاذ إجراءات من أجل تفادي أي ضرر للنمسا وشعبها». وقالت النمسا إنها مستعدة لاتخاذ تدابير مماثلة ورفض طالبي لجوء عند حدودها الجنوبية، مع مخاطر أن يتسبب ذلك بإجراءات شبيهة في أوروبا.
البيان الذي وقعه نائب المستشار هاينز كريستيان ستراشه ووزير الداخلية هيربرت كيكل، قال: «ننتظر الآن توضيحاً سريعاً للموقف الألماني على المستوى الفيدرالي».
وختمت الحكومة النمساوية بالقول إن «الاعتبارات الألمانية تسلّط الضوء مرة أخرى، على أهمية حماية أوروبية مشتركة للحدود الخارجية».