تكثّف الولايات المتحدة عملها في سبيل محاصرة إيران وتشديد العقوبات عليها، في مسار تصاعدي بلغ حدّ الضغط على دول العالم كافة لمقاطعة النفط الإيراني تجارياً. ومنذ أيام، تؤكد واشنطن عزمها على تصعيد «حرب النفط» في إطار ما وصفه الرئيس دونالد ترامب بـ«أكبر عقوبات في التاريخ» على الجمهورية الإسلامية. وفي محاولة لجعل العقوبات أكثر فاعلية وإيلاماً للإيرانيين، تستكمل إدارة ترامب إجراءات الحظر التي أقرتها، على مسارات ثلاثة: الأول، محاولة استصدار قرار دولي يدعم العقوبات. والثاني، إجبار جميع الدول المستوردة للنفط الإيراني على تبني العقوبات ومقاطعة إيران تحت طائلة «الغضب الأميركي» على هذه الدول. أما الثالث، فتعويض النفط الإيراني عبر حثّ الدول المنتجة الحليفة على زيادة إنتاجها.وحضّت واشنطن، أمس، أعضاء مجلس الأمن الدولي، في أول اجتماع مخصص لبحث الاتفاق النووي منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق، على فرض عقوبات ضد طهران. وقال نائب السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، جوناثان كوهين، إنه «في مواجهة بلد ينتهك باستمرار قرارات هذا المجلس، يتحتم علينا اتخاذ قرار في شأن العواقب»، مضيفاً أنه «لهذا السبب نحض أعضاء هذا المجلس على الانضمام إلينا في فرض عقوبات تستهدف سلوك إيران الخبيث» في الشرق الأوسط. وبدت الولايات المتحدة وكأنها تغرد وحيدة في الاجتماع، بعدما تمسك ممثل الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة، جواو فال دي ألميدا، بالاتفاق، على اعتبار أن «تفكيك اتفاق نووي فعال لا يضعنا في موقف أفضل لمناقشة قضايا أخرى»، في إشارة إلى فصل مسار الاتفاق عن مسار دور إيران الإقليمي وبرنامجها الصاروخي. كذلك فعل المندوب الفرنسي، فرانسوا دولاتر، الذي حذر من أن انهيار الاتفاق «أمر قد تكون عواقبه وخيمة» على أمن الجميع ومنظومة حظر انتشار السلاح النووي.
دلهي: هيلي لها آراؤها، وآراؤنا في شأن إيران واضحة جداً


لكن الأميركيين لا يعولون كثيراً على التحرك في مجلس الأمن، مع علمهم بأن قراراً مماثلاً لن يمر بعد تجربة الـ«فيتو» الروسي ضد مشروع يدين إيران على خلفية مزاعم توريد الصواريخ إلى اليمن. وهي مزاعم عاد المندوب الأميركي أمس ليكررها، كذريعة لإقناع الدول الأعضاء بتبني العقوبات. ويستعجل الأميركيون إطباق الحصار على إيران فور دخول العقوبات حيز التنفيذ، من خلال ترهيب الدول المستوردة للنفط الإيراني. ونقلت «رويترز» عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية قوله إن الحكومة الأميركية «مستعدة للعمل مع الدول لتقليص وارداتها من النفط الإيراني على أساس حالة بحالة». وأشار المصدر إلى أن تركيز الإدارة الأميركية «منصب على العمل مع تلك الدول المستوردة للنفط الخام الإيراني لإقناع أكبر عدد منها بوقف الواردات بحلول الرابع من تشرين الثاني»، مضيفاً: «نحن جادون في جهودنا لحمل إيران على تغيير سلوكها المنذر بالخطر».
في هذا السياق، أتت دعوة السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، أمس، الهند إلى إعادة التفكير في علاقاتها مع إيران، إحدى أكبر مواردها النفطية. وبلهجة تهديد وابتزاز واضحة، توجهت هيلي لحكومة نيودلهي بالقول: «من أجل مستقبل الهند، ولكي تكون قادرة على الحصول على موارد... فإنني أشجعهم على إعادة التفكير في علاقاتهم مع إيران»، مضيفة أن «على الهند كصديقة أن تقرر: هل (إيران) بلد ترغب في استمرار التعامل معه؟». هيلي، الموجودة في الهند، سمعت رداً سريعاً من الخارجية الهندية على سؤالها في شأن العلاقات مع «شريك تقليدي جداً... يتمتع بعلاقات تاريخية وحضارية» مع الهند، بحسب الناطقة باسم الوزارة رافيش كومال، التي شددت على أن هيلي «لها آراؤها، وآراؤنا في شأن إيران واضحة جداً».
في الأثناء، كان وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري، يبدي حماسة لزيادة إنتاج النفط من جانب السعودية وروسيا أكثر من ما أقرّه اتفاق «أوبك» الجديد، متحدثاً عن «ثقته» بأن «السعودية ستكون قادرة على زيادة إنتاجها إلى... 11 مليون برميل يومياً في المستقبل، وأن روسيا ستستطيع زيادة إنتاجها لتنعم سوق الخام العالمية ببعض الاستقرار»، وكذلك لسد «الفجوة» الناجمة عن العقوبات الأميركية على إيران.
مقابل هذا الحراك الأميركي، خرج مندوب طهران في «أوبك»، حسين كاظم بور أردبيلي، منتقداً الحديث عن زيادة الإنتاج خلاف الاتفاق المبرم. وقال المندوب الإيراني إن «وزارة الخارجية (الأميركية) تقول إن هذا ليس كافياً، والسعودية تقول إنها ستنتج 11 مليون برميل يومياً في تموز. يؤسفني القول إن كليهما يقلل من شأن منظمتنا».
(رويترز، أ ف ب)



روحاني: الحظر فرصة لإيران
على وقع «حرب النفط» التي تخوضها واشنطن ضد إيران، وفي ظل انعكاسات العقوبات الأميركية على اقتصاد طهران، توجه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى منطقة بندر عباس، جنوب البلاد، حيث أعلن عن تدشين المرحلة الثانية من مصفاة «نجمة الخليج الفارسي». وخلال حفل أقيم هناك، هاجم روحاني الإدارة الأميركية بالقول: «إن العدو يكن ضغينة طويلة الأمد ضدنا، وأحد القادة الذين يحكمون حالياً في الإدارة الأميركية قال سابقاً إنه يجب أن نجتث جذور الشعب الإيراني». وفي شأن العقوبات الأميركية، رأى أن «الحظر بلا شك سيفرض ضغوطاً وصعوبات على حياة الناس، لكن في الوقت نفسه يمكن أن يكون فرصة عظيمة للابتكار والإبداع والإنتاج والفخر أمام القوى المتغطرسة في العالم». وأضاف أن «علينا أن نتزود بالقوة، وأن نقف بوجه أولئك الذين يضمرون الشر لبلدنا، ينبغي أن نتحلى بالصبر والقوة، وأن نرص صفوفنا لمنع تسلل العدو». ومن المتوقع أن يزيد مشروع «نجمة الخليج الفارسي» إنتاج البنزين محلياً من 12 مليون ليتر إلى 24 مليون ليتر يومياً بجودة «يورو 5»، وكذلك إنتاج السولار من أربعة ملايين ليتر إلى ثمانية ملايين ليتر يومياً. ويُعدّ هذا المشروع من أكبر مصافي المكثفات الغازية في العالم، ويوفر للبلاد منتجات البنزين وغاز النفتا والغاز المسال، وتقول الحكومة الإيرانية إنه يوفر عليها 15 مليون دولار يومياً كانت تذهب إلى الخارج.