قبل أسابيع من عقد قمّة «حلف شمال الأطلسي» في تموز/ يوليو المقبل في بروكسل، رأى الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أن الروابط التي تجمع بين ضفَّتي «الأطلسي» تبقى «متينة»، رغم «الخلافات بين الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين».تتمحور الخلافات بين الطرفين حول التجارة والبيئة والاتفاق الدولي حول ملف إيران النووي. فعدا عن انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكلٍ أحادي من الاتفاق، فإنها لم تلتزم كذلك باتفاق باريس المناخي الذي جرى توقيعه في عام 2016. بالإضافة إلى ذلك، فرض الرئيس الأميركي رسوماً إضافية على استيراد الأوروبيين للصلب والألومنيوم، منتقداً «عوائقها الجمركية» في الوقت نفسه، على المنتجات الأميركية.
ظهرت الخلافات بشكلٍ واضح بعد قمّة «مجموعة السبع» التي عقدت في كندا، أحد الأعضاء المؤسسين للحلف، حيث اقترح ترامب إعادة روسيا إلى المجموعة بعدما طردت منها قبل 4 سنوات. حذّر رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، حينها، من أن مواقف الرئيس الأميركي بشأن التجارة وتغيّر المناخ والقضية الإيرانية، تشكّل خطراً حقيقيّاً.
كذلك، أثار ترامب موجة امتعاض في أوروبا بقوله خلال حملته الانتخابية الرئاسية إن حلف شمال الأطلسي «عفا عنه الزمن» وأنه غير قادر على التصدي للتحديات التي تطرحها «جماعات إسلامية إرهابية».

مزيد من المال!
أكد ستولتنبرغ اليوم من لندن، حيث من المرتقب أن يلتقي رئيسة الوزراء البريطانية، أن هذه الخلافات «حقيقية»، لكن الروابط بين ضفتي الأطلسي صامدة، معبراً عن اعتقاده بأنه «سيتم الحفاظ عليها»، فقد «تغلبنا على الخلافات في السابق»، و«الحفاظ على شراكتنا عبر الأطلسي من مصالحنا الاستراتيجية»، لكن «ليس مكتوباً على صخرة أن التحالف القائم عبر الأطلسي سيستمر إلى الأبد».
يبدو أن الأمين العام لـ«الأطلسي» يستند إلى الدعم المادي الذي قدّمته الولايات المتحدة للحلف، وذلك من خلال قوله إن «علاقاتنا الدفاعية أصبحت أقوى»، مضيفاً أن ترامب «منذ توليه السلطة زاد تمويل الوجود الأميركي في أوروبا بنسبة 40 في المئة».
تحدّث أيضاً عن أنه خلال قمة الحلف المرتقبة في 11 و12 تموز/ يوليو في بروكسل، «سنذهب أبعد من ذلك... مع مزيد من المال والإمكانيات والمساهمات في عمليات حلف الأطلسي».
يأتي ذلك على الرغم من أن المساهمات المالية تشكّل نقطة خلاف أيضاً بين الدول الأعضاء، إذ يتهم ترامب الدول الأوروبية في الحلف، خصوصاً ألمانيا، بعدم احترام وعودها بزيادة النفقات العسكرية إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
يذكر أن المستشارة الألمانية قد توقعت، قبل أسبوع، زيادة مطردة في الإنفاق العسكري الألماني في السنوات المقبلة، تماشياً مع تعهّد بلادها بالالتزام بهدف «حلف شمال الأطلسي» المتمثل في التحرك صوب إنفاق اثنين في المئة من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2024.
أمس، حرص ستولتنبرغ أيضاً على إبداء تفاؤله على الرغم من إقراره بأن الخلافات قائمة، إذ أكد أنه التقى «الرئيس دونالد ترامب مؤخراً في البيت الأبيض» وأن الأخير «جدد تأكيد التزامه الشخصي بالحلف، كما أقرّ بأن الحلفاء الأوروبيين يزيدون إنفاقهم على القطاع الدفاعي». وقال ستولتنبرغ أيضاً إن ترامب «لديه رسالة قوية حول الحاجة إلى بذل المزيد (في الإنفاق الدفاعي)، وأنا أتفق معه».

وزيرة فرنسية: نحو دفاع أوروبي منفصل
تزامن كلام ستولتنبرغ مع تصريح لوزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، اليوم، قالت فيه إن ترامب يثير «الشكّ» حول التزام الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، ما يجعل قدرات الدفاع في أوروبا أكثر ضرورة.
وأوضحت أن ترامب لم يعبّر «قبل عام في قمة الحلف الأطلسي عن دعم صريح لفكرة تقديم دول الحلف الأخرى المساعدة لدولة عندما تتعرض لهجوم، بموجب معاهدة الأطلسي». كذلك عبّرت الوزيرة الفرنسية عن اعتقادها بأنّ «رئيس الولايات المتحدة سيمارس خلال قمة الحلف ضغطاً قوياً على الحلفاء»، خصوصاً الأوروبيين، «ليتحملوا الذي تتحمّله الولايات المتحدة برأيه». و«لهذا السبب، الدفاع في أوروبا هو بناء ضروري في هذا الوضع الذي لم نعد نعرف إذا ما كانت المكتسبات التي عشنا على أساسها خلال سبعين عاماً هي مكتسبات نهائية».
أشارت بارلي أيضاً إلى أن فرنسا وألمانيا قامتا بخطوة «تاريخية» في هذا الاتجاه، عندما قرَّرتا أن تبنيا معاً طائرة حربية ومدفعية ثقيلة وعبر التوافق على «مبادرة تدخل أوروبية»، تكون نوعاً من هيئة أركان للأزمات تشمل عشرات الدول، ومن المفترض أن تفضي إلى قوة مشتركة.
تابعت الوزيرة أن باريس وبرلين قرّرتا أن تصمّما وتبنيا معاً النموذج الذي سيخلف المقاتلة «رافال» والدبابة «لوكلير»، مبررةً ذلك «بالحاجة إلى تعزيز صناعاتنا، وأن نكون أقوى على مستوى أوروبا»، مؤكدةً أن «العديد من الدول الأوروبية تشتري اليوم أيضاً معدات عسكرية، خصوصاً من دول غير أوروبية، من الولايات المتحدة، وهذا ما نريد معالجته».

لقاء بوتين – ترامب؟
لدى سؤاله عن احتمال انعقاد اجتماع بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال ستولتنبرغ إن ذلك «لا يتعارض مع سياسات حلف الأطلسي» الذي يؤيد «الحوار».
يأتي ذلك فيما انتقد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الأسبوع الماضي، الرئيس الروسي واتهمه بمهاجمة الديموقراطية الغربية ومحاولة تفتيت «حلف شمال الأطلسي». ورأى ماتيس أن بوتين «يسعى لتقويض جاذبية نموذج الديموقراطية الغربية ويحاول تقويض السلطة الأخلاقية الأميركية». أضاف أن تصرفات بوتين تهدف ليس إلى تحدّي قوّة أميركا العسكرية مباشرة، ولكن إلى «تقويض إيماننا بمبادئنا».