صوّت أكثر من ثلثي الناخبين في إيرلندا في استفتاء تاريخي، أمس الأول، على تعديل دستوري يرفع القيود المشددة المفروضة على الإجهاض، في إنجاز وصفه رئيس الوزراء الإيرلندي بـ«الثورة الهادئة». النتائج النهائية للاستفتاء، والتي تم الإعلان عنها أمس (السبت)، أفادت بأن أكثرية كاسحة من الإيرلنديين صوتت لمصلحة السماح بتشريع الإجهاض في هذا البلد الكاثوليكي التقليدي؛ إذ بلغت نسبة المؤيديين 66,4 في المئة، في حين وصلت نسبة المشاركة إلى 64,1%، بحسب ما أعلنت اللجنة الانتخابية الإيرلندية. ومن أصل 2,15 مليون شخص شاركوا في الاستفتاء، أيّد نحو 1,43 مليون منهم تعديل الدستور لمنح الحق في الإجهاض.
«ثورة هادئة»
فور إعلان النتائج الأولية، قال رئيس الوزراء الإيرلندي، ليو فرادكار، إن فوز معسكر الـ«نعم» في الاستفتاء جاء «نتيجة ثورة هادئة، جرت في إيرلندا في السنوات العشر أو العشرين الأخيرة». وفي تصريح لقناة التلفزيون الحكومية «آر تي إي»، أكد فرادكار أن القانون الجديد سيصدر «قبل نهاية هذه السنة» (2018)، إذ من المقرر أن تقوم الحكومة بصياغة مشروع القانون الذي يسمح بالإجهاض خلال الأسابيع الـ12 الأولى من الحمل، وحتى 24 أسبوعاً أيضاً «لأسبابٍ صحية».
وفي هذا الإطار، أوضح وزير الصحة، سايمون هاريس، أن الحكومة ستجتمع يوم الثلاثاء المقبل لبحث مشروع قانون بهدف عرضه «في الخريف» على البرلمان، حيث يتوقع أن يتم تبنيه بلا صعوبات لأن حزبي المعارضة الرئيسيين يدعمان الإصلاح.
من جانبٍ آخر، أملت وزيرة التنمية الدولية البريطانية ووزيرة الدولة للنساء والمساواة، بيني مورداونت، أن تحظى ايرلندا الشمالية، المقاطعة البريطانية المجاورة التي ما زال القانون فيها أكثر صرامة مما هو عليه في بقية المملكة المتحدة، بـ«يوم تاريخي» أيضاً.
«آيرش تايمز»: التصويت بنعم يدل على رغبة هائلة في التغيير (أ ف ب )

سطوة الكنيسة إلى زوال؟
عملياً، تعد إيرلندا من البلدان الأكثر تديناً في أوروبا. لكن نفوذ الكنيسة الكاثوليكية تراجع في الأعوام الأخيرة إثر سلسلة فضائح تحرش جنسي بالأطفال. ولهذا، فإن التأييد الذي حظي به التعديل القانوني أخيراً، بعد ست محاولات سابقة باءت بالفشل، يحمل دلالات ثقافية عدة، أبرزها التخلص من السطوة الكنسية على الأنظمة المدنية في الدول الأوروبية خصوصاً. وهو بذلك يمثل أحدث خطوة في مسار التغيير في بلد نجح بغالبية محدودة للغاية في تقنين الطلاق عام 1995، قبل أن يصبح في عام 2015 أول بلد في العالم يبيح زواج المثليين بعد استفتاء عام.
وفق ما ذكرت بعض الصحف في إيرلندا، شكل هذا التصويت زلزالاً ثقافياً جديداً في هذه الجمهورية الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 4,7 مليون نسمة، وذلك بعد ثلاث سنوات من تلقي المجتمع المحافظ ضربة قاسية تمثلت في تشريع زواج المثليين. كبرى الصحف الإيرلندية «آيرش إندبندنت» وصفت نتيجة الاستفتاء بأنها «لحظة فارقة في تاريخ المجتمع الإيرلندي». وهو موقف بدا مماثلاً لما جاء في صحيفة «آيريش تايمز»، التي رأت أن «التصويت بنعم يدل على رغبة هائلة في التغيير لم يكن يتوقعها أحد».
ومن جانبٍ آخر، فقد كان لافتاً تماهي آراء الناخبين المؤيدين لإلغاء المادة مع رمزية هذا الإنجاز، إذ قالت كاترين كلافتي (53 عاماً)، وهي بائعة زهور في دبلن، «لقد أخرجنا أنفسنا من عصر الظلمات. لم نعد بلداً متخلفاً كما كانت الكنيسة تريد أن توهمنا». أما المدرّسة كايومهي سلووان (27 عاماً)، فرأت أنه «يوم تاريخي لإيرلندا ونساء هذا البلد. لقد بقينا منبوذين ونعاني التمييز لسنوات من الكنيسة الكاثوليكية وحكوماتنا ومن الذكور».
احتشد آلاف من سكان دبلن وسط المدينة للاحتفال بنتيجة الاستفتاء (أ ف ب )

ماذا يقول القانون؟
التعديل الثامن على المادة القانونية دخل حيز التنفيذ عام 1983، بعد إجراء استفتاء حينها. وهذا التعديل نصّ على وجوب الدفاع عن حق كل من الأم والجنين بالحياة، وجاء فيه: «يعترف بحق الحياة للطفل الذي لم يولد بعد، مع احترام مساوٍ لحق الأم في الحياة، ويضمن بقوانينه احترام هذا الحق وحمايته قدر الإمكان».