لم تمنع استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة ضد طهران، التي أعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو، استمرار المفاوضات الأوروبية - الإيرانية. لكن المطالب الأميركية الـ12 من الجمهورية الإسلامية زادت من دون شك المشهد تعقيداً. باتت القيادة الإيرانية تنظر إلى السياسة الأميركية على أنها هجمة متجددة تستهدف قلب نظام الحكم كمطلب وحيد لفريق إدارة دونالد ترامب، تستبطنه قائمة الشروط.القناعة الإيرانية بأن نشاط الولايات المتحدة ضد طهران يضع تغيير النظام بالجملة هدفاً جدياً له، يجعل من الصعب الحديث عن مخارج وتسويات، ويؤجّل أي إمكانية لمفاوضات بشأن سياسات إيران الخارجية بالمفرق. ومن جهة ثانية، إن وجود جون بولتون في فريق البيت الأبيض، بمنصب مستشار الأمن القومي، يزيد من حساسية الساسة الإيرانيين، ويرسّخ اعتقادهم بأن ما تطلبه واشنطن يتعدى تغيير سياسات طهران الإقليمية أو الاتفاق على معاهدة نووية جديدة، وفق ما قال بومبيو الذي هدد في خطابه بأن «ألم العقوبات سيزيد إذا لم يغيّر النظام المسار غير المقبول وغير المثمر الذي اختاره لنفسه وللشعب الإيراني». إذ إن المسؤولين الإيرانيين باتوا هذه الأيام يذكّرون بعلاقة بولتون الوطيدة مع منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة، المصنفة إرهابية في إيران. وإن كانت المنظمة المناهضة لنظام طهران ليست المشكلة الرئيسة للإيرانيين اليوم، إلا أن عودة الحديث عنها في ردود فعل المسؤولين على بومبيو تشي بقراءة إيران لشروط إدارة ترامب على أنها مشروع مواجهة شاملة لن تقف إلا بتحقيق مطلب ضرب النظام الإيراني، أقله بالرهان على إحداث ضغط اقتصادي عليه أملاً في إضعاف موقفه وتوسيع شريحة المعارضين في الداخل.
لكن بومبيو اكتفى أمس بالتأكيد أن «على الشعب الإيراني اختيار طبيعة الحكم الذي يطمح إليه». وإن غاب عن خطابه الحديث الواضح عن «التحالف الدولي» المزمع تشكيله ضد إيران، بحسب تسريبات أميركية سابقة للخطاب، فإن الوزير الأميركي أتبع خطابه بتصريحات أعرب فيها عن قناعته بإمكانية «تطوير نهج دبلوماسي مشترك مع الدول الأوروبية بشأن إيران» لإجبارها على «التغييرات» التي وصفها بـ«غير الصعبة». كذلك، واصلت واشنطن إبداء «جدّية» استراتيجيتها ضد إيران، من خلال إعلانها أمس ضمّ خمسة أسماء جديدة إلى قائمة العقوبات، قالت وزارة الخزانة إنهم مسؤولون إيرانيون «مرتبطون بفيلق القدس» ودعم حركة «أنصار الله» اليمنية، وقاموا بأعمال «أتاحت للحوثيين إطلاق صواريخ على مدن وبنى تحتية نفطية سعودية».
واتهم المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، محمد باقر نوبخت، أمس، الولايات المتحدة باستعداء الشعب الإيراني والعمل على تقويض بلاده، معتبراً أن الإجراءات الجديدة تشير إلى بصمات لإسرائيل و«مجاهدي خلق» خلفها. ورأت وزارة الخارجية الإيرانية أن مواقف بومبيو «محاولة يائسة لحرف أنظار الرأي العام العالمي عن الإجراء اللاقانوني وانتهاك أميركا لعهدها في الاتفاق النووي». ونصحت، في بيان، المسؤولين الأميركيين «بأن يتعظوا من مصير السياسات الأميركية السابقة تجاه الشعب الإيراني، وأن يتخلوا عن ممارستهم التدخلية والفاشلة لإيجاد شرخ وشقاق بين الشعب والنظام الشعبي في الجمهورية الإسلامية».
ولا يبدو أن ثمة خياراً في جعبة المسؤولين الإيرانيين غير خيار «التحدي» لموقف بومبيو الذي قال: «طلباتنا بشأن إيران منطقية: أوقفوا برنامجكم... إذا اختاروا الرجوع وإذا بدأوا التخصيب فنحن مستعدون تماماً للرد». وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، أمس، إنه «إذا استدعت الحاجة الرجوع (إلى ما قبل الاتفاق النووي)، أو إذا أردنا تخصيب اليورانيوم بشكل عالٍ، فإننا أكملنا التحضيرات اللازمة من أجل ذلك». تهديدات صالحي تسير بموازاة استمرار المشاورات الإيرانية مع الأوروبيين، فيما يسيطر «التشاؤم» من مقدرة الإجراءات الأوروبية على تأمين ضمانات كافية لحماية الاتفاق النووي من العقوبات الأميركية. ومن هنا، تبرز جملة استفهامات إيرانية، يبدو أن أوروبا لا تملك الردّ عليها إلا باستفهامات مضادة. إذ تساءل مساعد الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، أمس، عن الضمانات مقابل حظر بيع النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية و«قدرة الاتحاد الأوروبي على ضمان التعاملات المصرفية المؤثرة، وحماية شركات دول الاتحاد الأوروبي العاملة في إيران من العقوبات الأميركية»، متسائلاً: «وفيما لو عوقبت (الشركات) من قبل أميركا، فهل بإمكان الاتحاد الأوروبي حمايتها من ذلك أو التعويض لها؟». ونبه عراقجي إلى أن «أسابيع قليلة بقيت ليقدم الأوروبيون حزمتهم الاقتصادية مع الحلول العملية، وبعدها نكون بحاجة إلى بعض الوقت لنرى هل هي فاعلة أو لا». مقابل أسئلة عراقجي، طرحت المفوضة الأوروبية للتجارة، سيسيليا مالمستروم، في ختام اجتماع وزراء التجارة الأوروبيين في بروكسل، سؤالاً ينمّ عن شعور الأوروبيين بالعجز أمام القرار الأميركي، بقولها: «هل سيكون عرض الاتحاد الأوروبي كافياً؟ بكل صراحة لست متأكدة من ذلك».