في منتصف خطابه، أمس، أمام كتلته النيابية ومؤيّديه، طلب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من المستمعين الوقوف و«التركيز» على خطابه، مُحبَطاً من انعدام الحماسة لديهم، وانقطاع التصفيق عند حديثه عن بعض النقاط المتعلّقة بالحريات. استمرّ انعدام الحماسة حتى نهاية إدلاء أردوغان للبرنامج الانتخابي لحزبه «العدالة والتنمية»، لدرجةٍ استدعت منه الطلب من أعضاء كتلته النيابية رفع «شعار رابعة»، فاستجاب هؤلاء بطاقةٍ ضعيفة ردّ عليها الرئيس التركي، بغضب، قائلاً إنّ هذه الطاقة الضعيفة لا تضمن فوزاً في 24 حزيران/ يونيو، موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
تلك «الطاقة» الضعيفة، ربما شكَّلت انعكاساً لعدم واقعية الطروحات التي أدلى بها الرئيس التركي في برنامج حزبه، الذي علّقت عليه المعارضة بأنّه أشبه بخطابِ حزبٍ معارض، ينتقد السلطة، فيما هو يحكم البلاد منذ عام 2002، مطلقاً وعوداً غير مبنية على خطة واضحة.
في مقابل ذلك، امتلأ خطاب الرئيس التركي بالحديث عن الإنجازات، فتركّز البرنامج الانتخابي على نقطتين، أولاهما الاقتصاد، إذ آثر الدفاع عن الاستقرار الذي تحقّق في الماضي وعن ازدهار مستقبلي، على الرغم من أن مؤشرات عدة تبيّن تدهوراً في اقتصاد البلاد.
أما النقطة الثانية، فكانت إعلان الرئيس التركي أنّ بلاده على استعداد لشنّ «عمليات عسكرية جديدة» عبر الحدود في سوريا والعراق ضدّ الأكراد، وهو خطاب يستخدمه أردوغان لاستقطاب القوميين.
بشكلٍ عام، ربط الرئيس التركي في خطابه سيادة تركيا وقوّتها باقتصادها، وكذلك بعملياتها العسكرية الخارجية، في خطابٍ يستفيد من تنامي الشعور القومي بعد عملية «غصن الزيتون» التي شنّتها تركيا ضدّ سوريا العام الماضي، واستباق مزيد من التدهور الاقتصادي، ليراوح الخطاب بين شعارات قوميّة من ناحية، وتناقض بين الواقع والوعود من ناحية ثانية.

في الاقتصاد... الملامة على «جبهات الشر»
لطالما كان الازدهار الاقتصادي الذي تمكّن «العدالة والتنمية» من تحقيقه خلال الفترة الماضية عاملاً أساسياً في دفع الناخبين إلى منحه أصواتهم، وضمن له، على مدى السنوات الماضية، استمرارية في الحكم، وهذا ما يفسّر تشديد الرئيس التركي على هذه النقطة في برنامج حزبه الانتخابي في خضمّ تصاعد المؤشّرات السلبية المتعلّقة باقتصاد البلاد حالياً، مطلقاً تعهدات من غير الواضح كيف يمكن تطبيقها.
في محاولةٍ منه لتعزيز الثقة بشأن اقتصاد البلاد، والحفاظ على القوّة الاستقطابية التي يمنحها هذا العامل، شدّد على أن «حكومات العدالة والتنمية حقّقت أرقاماً قياسية في الاقتصاد». رأى أيضاً أن «قفزة متميزة» ستتحقّق في مجال الاقتصاد، مضيفاً أنّ بلاده لم تتخلَّ عن هدفها المتعلق بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
في السياق نفسه، اعتبر أنّ «حكومات العدالة والتنمية حقّقت أرقاماً قياسية في الاقتصاد، رغم تحرك جبهات الشرّ ضدنا، لكننا حافظنا على الأمانة التي وضعها شعبنا في أعناقنا، وأفشلنا خطط الخونة. لقد أسّسنا نهضة تركيا بالفضيلة والإرادة والشجاعة».
رغم هذه الوعود العاطفية، إلا أن المؤشرات السلبية واضحة، فمعدّلات التضخم في تركيا ازدادت بنحو11 نقطة تقريباً في نيسان/ أبريل الماضي، لتبلغ ضعف الهدف الرسمي المحدّد من البنك المركزي والبالغ 5 في المئة، بعيد رفع البنك في 25 نيسان/ أبريل أحد معدلات الفائدة الرئيسية لمواجهة ارتفاع الأسعار وضعف قيمة الليرة التركية. أما سعر صرف الليرة، فقد بلغ 4.19 للدولار، أي بتراجع نسبته 0.49 في المئة في قيمتها، و5.04 لليورو، بخسارة 0.98 في المئة.
لكن الرئيس التركي قال إن «نسب الفوائد، وعلى الرغم من تراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، ستنخفض وكذلك التضخم والعجز»، على الرغم من أن زيادة التضخم وتفاقم العجز الضريبي وفقدان العملة المحلية نحو 10 في المئة من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام، تشكّل خطراً كبيراً على مالية البلاد.
يضاف إلى ذلك، زيادة الضغوط على الدولة بسبب الدين الخارجي البالغ 45 مليار دولار، وما تعنيه كلّ تلك المشاكل من تأثير سلبي بمعدلات البطالة البالغة 10.8 في المئة، وفق البيانات الرسمية.
استكمالاً لمحاولات السيطرة على التدهور الذي يواجهه اقتصاد تركيا، خرج رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، اليوم، للتأكيد أن «بلاده اتخذت الإجراءات اللازمة لخفض نسب التضخم في تركيا خلال العام الجاري، لتعود نسبته الى دون 10 في المئة».

المغامرات العسكرية... القشّة الأخيرة
لطالما استخدم الرئيس التركي قضية الأمن القومي والتهديدات المفترضة من خارج الحدود على أمن البلاد لتعزيز الاستقطاب الانتخابي، وتعزيز شعبيته، خصوصاً أن تلك العمليات تستهدف المقاتلين الأكراد، التي تعدّهم أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني». هذه المرّة لا تختلف عن سابقاتها. «مكافحة التنظيمات الإرهابية داخل البلاد وخارجها»، وعدٌ انتخابيّ آخر لأردوغان في بيان حزبه، شدّد فيه على أن تركيا «ستنفذ في المرحلة المقبلة عمليات عسكرية جديدة على غرار درع الفرات وغصن الزيتون لتطهير حدودها من المنظمات الإرهابية».
أضاف أن «عملياتنا مستمرة حتى القضاء على آخر إرهابي في عين العرب والحسكة (في سوريا) وسنجار وقنديل (في العراق)»، متابعاً أنّ حماية سيادة تركيا وأمنها القومي ومصالحها ستبقى على رأس أولوياته في المرحة المقبلة. غير أنّ أردوغان لم يعطِ أيّ تفاصيل عن تلك العمليات العسكرية، أو عن المنطقة التي قد تستهدفها تركيا في عمليتها.
تحدّث عن وجود إرادة قوية في تركيا، أحبطت «عمليّات رسم الحدود ونصب المكائد القذرة وفرض الأمر الواقع في المنطقة»، لافتاً إلى أن العمليات العسكرية وراء الحدود مكّنت بلاده من تحطيم ممرّ الإرهاب (في شمال سوريا) وتحييد الإرهابيين في أوكارهم.

شعارات ليبرالية
لم يهمل الرئيس التركي أيضاً الحديث عن تحقيق «العدالة الاجتماعية» و«الديموقراطية الكاملة»، على اعتبار أنّ «حزب العدالة والتنمية ساند منذ انطلاق مسيرته الديموقراطية والحرية والعدالة، وسيبقى على هذا النهج في المستقبل»، رابطاً «تمسّك» حزب بالديموقراطية والحرية والعدالة، بعمله على «زيادة قوة تركيا والحفاظ على سيادتها».
(أ ف ب )

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنّه «بقدر أهمية الحفاظ على رخاء شعبنا، من المهم أيضاً إزالة كافة العقبات أمام حرية الدين والمعتقد والحريات الفردية وصونها»، فيما تنتقد حكومة العدالة والتنمية، خصوصاً منذ عام 2016 أي بعيد محاولة الانقلاب الفاشلة، بتضييق الخناق على المعارضة وعلى حرية الصحافة. يأتي هذا الحديث فيما قد تكرّس الانتخابات المقبلة النظام الرئاسي الذي جرى التصويت عليه في نيسان/ أبريل 2017، والذي إن طبّق كاملاً، يمنح رئيس البلاد صلاحيات واسعة ويعزز سيطرته على القضاء والجيش ومفاصل مهمّة في الحياة العامة.
في مزيدٍ من التناقض بين خطاب وأداء «العدالة والتنمية»، أكد أردوغان أن «توسيع دائرة الحريات، ومكافحة الفساد والفقر، رافقت مسيرة حزب العدالة والتنمية منذ الأيام الأولى، وستظل من بين أهم أهدافنا»، مضيفاً
أن «الفروق السياسية والأيديولوجية والدينية والمذهبية، ليست سبباً للانفصال والعداوة، نحن مستعدون للسير مع كل من يعتبر تلك الفروق من ألوان للحياة».
واستطرد قائلاً إنه «عبر الاستقلالية التامة للسلطات خلال المرحلة المقبلة، سيعمل البرلمان على سنّ القوانين ومراقبة عمل الحكومة، التي ستكون مكلفة تنفيذ الإجراءات العملية، بينما سيركز جهاز القضاء على نشر العدالة بكل حيادية».

«سنقيم تجمعاتنا أمام مقارّ قنوات التلفزة»
بثّت كافة محطات التلفزة التركية الرئيسية خطاب أردوغان مباشرةً، ما دفع مرشّح «حزب الشعب الجمهوري»، محرّم إينجه، الذي أعلن رسمياً ترشحه قبل يومين، إلى التنديد بفرض «حظر إعلامي» على المعارضة.
مع العلم أن القنوات الإخبارية الرئيسية في تركيا، وبينها «سي إن إن ترك» والتلفزيون الرسمي «تي آر تي»، لم تبثّ مباشرةً خطاب إينجه، الذي بدأ حملته الانتخابية السبت في يالوفا في شمال غرب تركيا.
عبر «تويتر»، كتب إينجه أمس، أن «القنوات التلفزيونية التي تبثّ حتى مؤتمرات حزب العدالة والتنمية في المحافظات لم تبث تجمعنا الرائع مباشرة»، محمّلاً المسؤولية لأردوغان. تابع إينجه: «سنمضي قدماً لكسر هذا القرار. إذا استمر الحظر الإعلامي على المعارضة بأمر من القصر، سنقيم تجمعاتنا أمام (مقارّ) قنوات التلفزة».
في الأشهر الأخيرة، أدلى رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم وأردوغان بخطابات في مؤتمرات حزبية على مستوى المحافظات كل نهاية أسبوع بُثت جميعها مباشرةً.