«عند الخط الفاصل يُسطّرُ تاريخٌ جديدٌ من السلام، والرخاء، والعلاقات بين الكوريّتين»، هكذا وصف الرئيس الكوريّ الشماليّ، كيم جونغ أون، اللقاء التاريخيّ الذي جمعه بنظيره الجنوبيّ، مون جاي إن، في قرية بانمونغوم الحدودية منزوعة السلاح. وبتبادل الابتسامات والمصافحات، عبَر كيم الخطّ الفاصل بين البلدين، ليصبح بذلك أول رئيس كوري شماليّ تطأ قدماه أرض الجنوب منذ انتهاء الحرب الدموية والشرسة التي بدأت عام 1950، وامتدت لثلاثة أعوام أعقبها التوصل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار بين كوريا الشمالية وقوات الخصوم التي تتشكل أساساً من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، إضافة إلى مشاركة أكثر من 15 دولة أخرى.«خطّ ترسيم الحدود العسكريّة ليس مرتفعاً حتى، أعتقد أنّه سيختفي في النهاية عندما يعبره كثير من الناس»، هذا ما قاله كيم بعد دعوة نظيره الجنوبيّ للعبور سريعاً إلى الشمال. عقب ذلك، توجّه الرئيسان سيراً على الأقدام إلى «بيت السلام» لبدء الاجتماع، الذي تضمّن جولتين من المحادثات، فصل بينهما غرسُ شجرة تذكارية رمزاً للسلام، ولقاءٌ ثنائيٌّ للرئيسين، بعيداً عن الوفود الرسمية المرافقة التي شملت قيادات أمنيّة وعسكريّة وديبلوماسيّة.
طغت الأجواء الوديّة على القمة التي وصفت محادثاتها بـ «الجادة والصريحة»، ليوقّع في ختامها كيم ومون إعلاناً تضمّن الموافقة على العمل لنزع السلاح النوويّ بالكامل من شبه الجزيرة الكورية، وتحقيق سلامٍ دائمٍ وراسخٍ فيها، مؤكدين على فتح صفحة جديدة بين الجارتين وتجنّب تكرار أخطاء الماضي.
من جانبه، قال الرئيس الكوريّ الشماليّ: «سنعمل كل ما بوسعنا من أجل إنجاح هذا الاتفاق، ولن نكرر أخطاء الماضي»، مضيفاً أنّه «خلال اللقاء اتفقنا على مجموعة من الأمور، ونعمل على تحقيق ما فيه مصلحة شعبينا... سنبدأ صفحة جديدة ونتصافح ونحقق التنمية المستدامة في بلدينا». الرئيس الكوريّ الجنوبيّ قال بدوره، «أكدنا اليوم (أمس) على هدفنا المشترك المتمثل في إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بالكامل، الخطوات التي اتخذتها كوريا الشماليّة في هذا الإطار تحمل معاني مهمة، وهي تشكل بداية لنزع السلاح النوويّ، ومن هذه اللحظة أعلن أننا سنتعاون من أجل تحقيق هذا الهدف».
إعلان قمة الكوريّتين، الذي حمل عنوان «إعلان بانمونغوم للسلام والازدهار وتوحيد شبه الجزيرة الكوريّة»، شمل أيضاً تعهداتٍ بالحد من التسلح، ووقف الأعمال العدائية، وتحويل الحدود المحصّنة بين البلدين إلى منطقة سلام، إضافة إلى السعي لإجراء محادثات متعددة الأطراف مع دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة. ووفق مصدر في الرئاسة الكورية الجنوبية تحدث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، فإن هذه القمة قد تعقبها «خطوات مماثلة»، وهو أشار إلى أن كيم أبدى استعداده وعبّر عن رغبته في لقاءات أخرى على فترات متقاربة أكثر في المستقبل. وبعد محادثات استمرت أكثر من ساعة ونصف الساعة، خلف الأبواب المغلقة، عاد كيم إلى بيونغ يانغ قبيل ظهر أمس.
لن توافق بيونغ يانغ على تنازلات ملموسة إذا لم تقدم واشنطن ضمانات


هذا «الحدث التاريخي» لاقى ترحيباً دولياً واسعاً، إذ إنّه «خطوة أولى باتجاه السلام». أُولى التعليقات كانت من الرئيس الأميركيّ، دونالد ترامب، الذي كتب على موقع «توتير»: «بعد سنة عاصفة من إطلاق الصواريخ وإجراء التجارب النوويّة، يجري الآن لقاء تاريخي بين كوريا الشماليّة وكوريا الجنوبيّة»، مضيفاً أنّ «أموراً جيدة تحصل، لكنها لن تتضح إلا بعد مرور بعض الوقت». تلى ذلك تغريدة ثانية، قال فيها ترامب: «الحرب الكورية إلى خواتيمها! على الولايات المتحدة أن تشعر مع كامل شعبها العظيم بفخر كبير لما يحصل حالياً في كوريا».
أما الصين التي بسبب آلة العقوبات الضخمة تُمثّل قصبة التنفّس شبه الوحيدة لبيونغ يانغ، فقد أشادت بالقمة وحيّت «شجاعة الرئيسين»، معتبرة أنّ المصافحة بينهما عند الخط العسكريّ الفاصل بين البلدين تشكل «لحظة تاريخية». وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجيّة الصينيّة هيوا تشونين، إنّ بكين «تأمل في أن يغتنما (كيم ومون) هذه الفرصة لفتح مرحلة جديدة من الاستقرار الطويل الأمد في شبه الجزيرة».
من جهته، رحب رئيس الوزراء اليابانيّ، شينزو آبي، بالقمة ومحادثات نزع السلاح النوويّ، آملاً بـ «أن تقوم كوريا الشماليّة بأعمال ملموسة خلال هذا الاجتماع والقمة (المرتقبة) التي ستجمعها بالولايات المتحدة»، مؤكداً «مواصلة مراقبة تحركات بيونغ يانغ المستقبليّة». بدوره، قال الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسيّ» ينس ستولتنبرغ، خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الحلف، أمس، «إنّها خطوة أولى، مشجعة، لكن يجب أن ندرك أنه لا يزال أمامنا عمل دؤوب». وفي الاجتماع نفسه، علق وزير الخارجيّة البريطانيّ، بوريس جونسون، قائلاً: «أنا متفائل جداً إزاء ما حصل... بالنظر إلى تاريخ كوريا الشماليّة وسعيها لامتلاك السلاح النوويّ، لا أعتقد أن أحداً سيفرط في التفاؤل».
من الجانب الروسيّ، قال المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين، إنّ «هذه أخبار إيجابية جداً». وتابع المتحدث ديتمري بيسكوف قائلاً: «نشهد اليوم حصول هذا الحوار المباشر ويطرح ذلك احتمالات معينة... إرادة التوصل إلى اتفاق موجودة لدى الطرفين، بما في ذلك القضيّة الأهم، إرادة إطلاق حوار ومتابعته... هذه حقيقة إيجابيّة». أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية في «مجلس الاتحاد الروسي» قسطنطين كوساتشوف، فاعتبر أنّ كوريا الشماليّة «لن توافق على تنازلات ملموسة في ملفها النوويّ إذا لم تقدم لها واشنطن ضمانات أمنية»، لافتاً إلى أنّه «لا يمكن أن نتوقع تنازلات ملحوظة من جانب كوريا الشماليّة لأنها لا تزال ترى في صواريخها النوويّة ضماناً وحيداً ضد العدوان الأميركيّ المحتمل. وإذا لم يتم إيجاد آلية للضمانات، فلن يتحقق أي تحرك جدي في هذا الاتجاه، وهذا ما يتعين على قمة واشنطن وبيونغ يانغ أن تحقّقه».
تماشياً مع هذا الرأي، قال الكاتبان أنكيت باندا وفيبن نارانغ، في مقال لهما حول القمّة، إنّه يجب الحفاظ على «تفاؤل موزون» لأنّ «نزع الأسلحة النوويّة كان دائماً مطروحاً، لكن نظريّاً فقط». بالنسبة للكاتبين لن يتم الأمر إلاّ «بثمن ثقيل تدفعه أميركا وتحالفها مع كوريا الجنوبيّة»، وهذا الثمن يمكن استخلاصه من خطاب ألقاه الرئيس الكوريّ الشماليّ بعد التجربة الأولى الناجحة لإطلاق صاروخ باليستيّ عابر للقارات منتصف العام الماضي، وهو يشمل سلّة من السياسات، من بينها توقف أميركا عن نشر قوات بصفة دائمة في شمال شرقي آسيا ووقف تمديد مظلتها النوويّة لتشمل كوريا الجنوبيّة، ووقف أيضاً المناورات العسكريّة التي تنفذ في المنطقة، وإجلاء قوات أميركا الرابضة في الجنوب. هذا كله، يجعل قرار «الجنوب» مرتبطاً عضوياً بالأميركيين.



ترامب: دور الصين محوري


خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أبدى ترامب اعتقاده بالتوصل «إلى حل، وإلا فإننا سنغادر القاعة بكل احترام». ورداً على أسئلة الصحافيين، قال ترامب عن الرئيس الكوري الشمالي كيم أونغ أون: «لا أظن أنه يسعى إلى خداعنا. لم يسبق أن حدث مثل هذا الأمر ولم يسبق أن بلغ الأمر هذا الحد. ولا أعتقد أنه سبق أن وجد مثل هذه الحماسة من جانبهم للتوصل إلى اتفاق». وأضاف: «لن نكون عرضة للخداع... نأمل بالتوصل إلى اتفاق، وإذا لم نتوصل إليه، لا مشكلة».
ويلتقي ترامب كيم بحلول حزيران في قمة غير مسبوقة. والتقى وزير خارجيته الجديد، مايك بومبيو، بينما كان على رأس الاستخبارات المركزية زعيم كوريا الشمالية في مهمة ظلت سرية لفترة. وبحسب ترامب فإن التفاعل بين بومبيو وكيم كان جيداً. وحرص الرئيس الأميركي أمس، على الإشادة بدور بكين، إذ كتب على «تويتر»: «رجاء لا تنسوا المساعدة الثمينة التي قدمها صديقي الطيب الرئيس شي جين بينغ، للولايات المتحدة، خصوصاً على الحدود مع كوريا الشمالية. من دونه كانت العملية ستكون أطول بكثير وأكثر صعوبة».