أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن هدفه تشكيل «تحالف دولي - تحالف باريس - من أجل تجفيف منابع تمويل الإرهاب حول العالم»، معتبراً أنه من الضروري «تجفيف الإرهاب من جذوره»، وذلك في اختتام مؤتمر حول تمويل الإرهاب، اليوم، في مقرّ «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» في العاصمة الفرنسية. المفارقة أن هذا المؤتمر ترافق مع «إدراك» المشاركين فيه أنهم لن يتمكّنوا من إلحاق الهزيمة بالإرهاب عبر تجفيف مصادر تمويله فقط، على رغم أن مكافحة التمويل ضرورية. رأى ماكرون في كلمته الختامية، أن «الإرهاب يتغذى من خلال الاتجار بالبشر وبالمخدرات وبالسلاح. هناك دائماً مكامن اقتصادية. لكي تكون (مكافحتنا للإرهاب) فعّالة، علينا أن نلتزم الشفافية ونتحرّك». اعتبر أيضاً أن «الإرهاب كان خطراً إقليمياً قبل بضعة أعوام، لكنه الآن بات خطراً عالمياً يطاول كلّ البلدان»، إضافة إلى أن «أعداءنا يتداخلون في قلب مجتمعاتنا وهم يستخدمون كل الأساليب العصرية في التمويل، ولذلك علينا العمل على خطوة جديدة لمكافحة داعش والقاعدة». من جهةٍ ثانية، تحدّث ماكرون عن ضرورة العمل على إخفاء «المحتوى الإرهابي» عن مواقع التواصل الاجتماعي.
منذ صباح أمس، بدأ نحو 500 خبير و80 وزيراً من 72 بلداً ومنظمّات دوليّة اجتماعات خلف أبواب مغلقة لتبادل خبراتهم و«الممارسات الجيدة» في هذا الجانب من مكافحة الإرهاب الذي يستهدف في شكل رئيسي تنظيمي «داعش» والقاعدة. كان ماكرون قد أعلن عن مؤتمر «لا أموال للإرهاب - مؤتمر ضدّ تمويل داعش والقاعدة»، خلال كلمته أمام سفراء فرنسا في باريس أواخر آب/ أغسطس الماضي. وفيما لم يتضمن خطاب ماكرون إعلاناً ملموساً، لكن الوفود منحت موافقتها على بيان مبادئ تمّت مناقشته مطولاً أثناء الاتصالات حول الأعمال التمهيدية.


«الإرهاب المنخفض التكلفة»
يأتي هذا المؤتمر على ضوء بروز دراسات أخيراً بيّنت أن التنظيمات الإرهابية نجحت في مراكمة مصادر سرية للتمويل، يصعب تتبّعها، ما دفع إلى ضرورة البحث في كيفية سدّ هذه الثُغر المالية لتجنّب وقوع مزيدٍ من العمليّات الإرهابية.
في هذا الإطار، نقلت «فرانس برس» عن مصدر في الإليزيه قوله إن «النصر العسكري ضد الخلافة هو نجاح مهم... لكنه لا يشكّل حماية لنا ضد عودة داعش أو ضد نشاط الجماعات والأفراد الذين بايعوا هذه المنظمة - كما حدث أخيراً في فرنسا - أو القاعدة. إنَّ المعركة لم تنته بعد». وفق المصدر، فإنه «طوال ثلاث سنوات، من عام 2014 حتى عام 2016، تراكمت غنائم ضخمة جراء الحرب لدى داعش، نحو مليار دولار سنوياً. من المحتمل أن يكون بعضها على الأقل في مكان ما... تخطى هذه المجموعات بموهبة استخدام الآليات الأكثر تعقيداً في تسهيل التدفقات المالية».
كذلك، كان الإعلان عن الهجوم على قواعد التنظيم من قبل ما يسمّى بـ «التحالف الدولي» لمكافحة «داعش» حصل قبل عدة أشهر، ما أعطاه متسعاً من الوقت لإنشاء شبكات مالية سرية متعددة في منطقة تزدهر فيها الحركة في شكل دائم.
في هذا السياق، استضاف المؤتمر، اليوم، بيتر نيومان وهو مدير المركز الدولي لدراسة التطرف في «كينغز كوليدج» في لندن وكاتب تقرير بعنوان «لا تتبع المال»، عبّر فيه عن اعتقاده أن «الحرب على تمويل الإرهاب كما تجري منذ عام 2001، كانت مكلفة وغير منتجة في أحيان كثيرة».
إضافة إلى ذلك، يواجه المحققون ووحدات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة، اعتداءات أو محاولات اعتداء أطلقت عليها تسمية «الإرهاب المنخفض التكلفة» تتعلّق بكميات صغيرة جداً من الأموال يصعب تتبعها أو حتى يستحيل تتبعها مسبقاً.
في كانون الثاني/ يناير 2015، قامت الباحثة النروجية، إميلي أورتدال، بتكليف من مؤسسة أبحاث الدفاع النروجية، بدراسة أربعين خليةً إرهابية دبّرت أو حاولت تدبير هجمات في أوروبا بين عامي 1994 و 2013. كانت النتيجة أنه في ثلاثة أرباع الحالات لم تتجاوز قيمة الأموال المستخدمة في تنظيم الهجمات عشرة آلاف دولار. استخدمت أيضاً الثُغر في نظام الحوالات المالية الذي يسمح بإرسال الأموال سريعاً إلى شخص آخر، لتمويل الإرهابيين الذين يقاتلون في العراق وسوريا.
منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، فتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً أولياً للاشتباه بعدم قيام المصرف البريدي بدوره الرقابي في هذه المسألة. من جهته، أقرّ مصدر الإليزيه بأن «الهجمات في الأراضي الأوروبية أو أميركا الشمالية تكلّف قليلاً جداً من المال. لكن المجموعات الإرهابية سواء كانت في بلاد الشام أو منطقة الساحل أو آسيا تتصرّف مثل المنظمات التي لديها تكاليف التشغيل والهيكلية. يجب تجنيد الأفراد وتدريبهم وتجهيزهم. نعم، هناك إرهاب منخفض الكلفة، لكن يجب أيضاً التعامل مع تمويل هذه المنظمّات».


فرنسا: 416 ممولاً لـ«داعش»
في الأثناء، تعرّفت السلطات الفرنسية على 416 متبرعاً شاركوا في تمويل تنظيم «داعش»، وفق ما أعلن مدعي عام باريس، فرنسوا مولينس، اليوم، الذي أشار إلى «تمويل صغير» للإرهاب عبر مبالغ «زهيدة» لكن كثيرة، وذلك في وقت يُعقد في باريس مؤتمر حول تمويل الإرهاب الدولي.
أوضح مولينس، رداً على أسئلة إذاعة «فرانس إنفو»، أن عملاً «منسقاً بين أجهزة الاستخبارات المالية» سمح بالتعرّف إلى 416 متبرعاً لتنظيم «داعش» في فرنسا في السنوات الأخيرة، معتبراً أن هذا العدد «كبير». وأضاف القاضي أن هذه الأجهزة رصدت أيضاً 320 شخصاً يجمعون الأموال «متمركزون في شكل خاص في تركيا ولبنان، يتمكن عبرهم الجهاديون الموجودون في سوريا من الحصول على الأموال». قال مولينس أيضاً لصحيفة «لو باريزيان»، إن «داعش حصل على تمويل في شكل خاص مستخدماً وسيلتين، أولهما الزكاة والإحسان حيث تُرسل أموال إلى جمعيات خيرية أو مباشرة إلى أفراد العائلة الموجودين على الأرض… وثانياً الغنيمة، غنائم الحرب، ما يعني التمويل عبر أعمال إجرامية». وأشار الرئيس الفرنسي أيضاً في كلمته اليوم، إلى التمويل الذي يتمّ عبر «الوسائل الخيرية»، معتبراً أن هذا أصبح «واقعاً في بلادنا».
يذكر أن هناك ملفّات عدة لدى القضاء تشير إلى أهالٍ يُشتبه في إرسالهم أموالاً إلى أبنائهم الذين يشاركون في القتال في صفوف الجماعات الإرهابية، وقد صدرت أحكام في مثل هذه القضايا. استخدمت أيضاً الثُغر في نظام الحوالات المالية الذي يسمح بإرسال الأموال سريعاً إلى شخص آخر، لتمويل الإرهابيين الذين يقاتلون في العراق وسوريا. منذ أيلول/ سبتمبر، فتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً أولياً للاشتباه في عدم قيام المصرف البريدي بدوره الرقابي في هذه المسألة.