مع طرد «حلف شمالي الأطلسي» سبعة دبلوماسيين روس، اليوم، في سياق إجراءاتٍ غربيةٍ إضافية ضدّ موسكو، وتنديد الأخيرة بـ«وقاحة» الولايات المتحدة وحلفائها، تدهورت الأوضاع كثيراً بين روسيا والغرب إلى حالةٍ تذكّر بالحرب الباردة، خلال اليومين الماضيين، على خلفية اتهام لندن لروسيا بأنها خلف عملية تسميم الجاسوس الروسي، سيرغي سكريبال، على أراضيها.يأتي ذلك بعدما قرر 23 بلداً، خلال اليومين الماضيين، بينها 16 في الاتحاد الأوروبي، طرد 116 دبلوماسياً روسياً «تضامناً» مع بريطانيا التي حمّلت روسيا مسؤولية تسميم العميل السابق المزدوج سيرغي سكريبال على أراضيها. طردت واشنطن وحدها 60 دبلوماسياً، وصفتهم بأنهم «عملاء استخبارات»، وأغلقت قنصلية روسيا في سياتل على الساحل الغربي.
بانتظار إعلان «الأطلسي» إجراءات «الرد على استخدام غاز الأعصاب» التي تحدّث عنها اليوم أمينه العام، ينس ستولتنبورغ، توعّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي في طشقند، بالردّ، إذ «لا أحد يريد تحمل مثل هذه الوقاحة ونحن لا نريد». رأى لافروف أن قرار نحو 20 دولة طرد دبلوماسيين روس نتيجة «ضغوط كبيرة وابتزاز هائل يشكل للأسف السلاح الرئيسي لواشنطن على الساحة الدولية».
كذلك، لا تزال موسكو تطالب بدلائل ملموسة تقدّمها لندن، تثبت تورّط موسكو بتسميم سكريبال، فقد دعت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، مساء أمس، لندن وواشنطن إلى نشر ما لديهما من عناصر «تثبت تورط (روسيا) في الجريمة الرهيبة».

واشنطن تضغط
يبدو أن كلام لافروف يستند إلى واقع أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة ليست مفاجئة، بل سبقتها خطوات يمكن وصفها بالاستفزازية بحقّ موسكو. في وقت سابق خلال هذا الشهر، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن خططٍ لتزويد أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات لحمايتها من «الانفصاليين المدعومين من روسيا» في الشرق الأوكراني، وهي خطوةٌ امتنع الرئيس السابق باراك أوباما عن القيام بها. في سوريا، قتلت القوات الأميركية الشهر الماضي وأصابت عشرات العاملين لحساب شركة «فاغنر» الخاصة للتعاقدات العسكرية التي تعمل في شرق سوريا، تربطها صلات بالكرملين، بعدما ادعت واشنطن أنهم حاولوا مهاجمة قوات أميركية وقوات «قسد» المدعومة من التحالف الذي تقوده واشنطن. كذلك، وجه البيت الأبيض سهام اتهاماته إلى روسيا، محملاً القوات الروسية في سوريا مسؤولية هجمات تسببت بمقتل مدنيين، وفق ادّعاء واشنطن، في منطقة الغوطة الشرقية قرب دمشق.
من جهة ثانية، صوّرت وثائق سياسية عليا من البيت الأبيض والبنتاغون، كُشف عنها في كانون الثاني، روسيا في «صورة العدو» الذي عاد ليحتل الصدارة في «تخطيط الأمن القومي الأميركي». حدث كل ذلك قبل إعلان الولايات المتحدة، أمس، طرد 60 دبلوماسياً روسياً صنّفتهم بأنهم «جواسيس».

«لحظة مهمة للغرب»
بعد فتراتٍ من التوتر وتراجع العلاقات داخل المعسكر الغربي، بعد تصويت «بريكست» والخلافات التجارية مع إدارة دونالد ترامب، يبدو أن حملة طرد الدبلوماسيين المشتركة وحّدت المعسكر المنقسم على نفسه ضدّ موسكو.
برز ذلك في تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في اليومين الماضيين. رأت ماي أنه لا تزال هناك حاجة لاتخاذ مزيد من التحركات في إطار رد بريطانيا على المدى البعيد على روسيا، على الرغم من تأكيدها أن «يوم أمس شهد لحظة مهمة في ردنا على هذا العمل العدواني المتهور». أبلغت ماي الحكومة أن الدول تحركت ضد روسيا ليس بدافع التضامن فحسب، بل لأنها أدركت الخطر الذي تمثله موسكو.
في السياق نفسه، قالت ماي، أمس، إن روسيا «فشلت بشكل كبير» في جهودها لشق صف حلفاء بريطانيا، مضيفةً أنه «إذا كان هدف الكرملين تقسيم الحلفاء الغربيين وترويعهم، فإن جهوده ارتدت عليه بشكل كبير».

«حرب باردة»؟
رأت الصحف الروسية اليوم أن تنفيذ أكثر من عشرين بلداً عملية منسقة لطرد دبلوماسيين روس يُغرق العلاقات بين موسكو والغرب في «حقبة جديدة من الحرب الباردة».
اختارت صحيفة «أزفستيا» عنوان «تعبئة حاشدة معادية لروسيا»، فيما ذكرت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» أنه لم تحدث من قبل حركة طرد منسقة بهذه الطريقة. بدوره، كتب المحلل فيودور لوكيانوف في صحيفة «فيدوموستي» أن «العلاقة بين روسيا والغرب تدخل مرحلة حرب باردة بالفعل»، معتبراً أن عمليات الطرد «سيكون لها أثر مدمر، وتحديداً على العلاقات الروسية ـــ الأميركية». أضاف أنها «ليست نهاية التصعيد، من الواضح أن الأمر سيتفاقم، ويُتوقع أن تتخذ تدابير أقسى مما قبل، (وتفرض) عقوبات اقتصادية ضد روسيا».
في أزمةِ الدبلوماسيين الحالية، روح الحرب الباردة حاضرة، فهي تعود بنا مثلاً الى عام 1986، عندما قامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بتبادل طرد الدبلوماسيين لفترة امتدّت لعدة أسابيع. طرد الرئيس الأميركي حينها، رونالد ريغان، 80 دبلوماسياً روسياً، خمسة منهم متهمون بأنهم «جواسيس».