دخلت إسرائيل على خط الأزمة بين روسيا وبريطانيا على خلفية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته، في محاولة منها لإضفاء صدقية على رواية الاتهام البريطانية للاستخبارات الروسية، ومحاولة زجّ اسم الدولة السورية في حرب «غاز الأعصاب» والاتهامات حوله، بين الجانبين.«التدخل» الإسرائيلي في الأزمة، الذي لم يأت على لسان مسؤول رسمي في تل أبيب، جاء عبر تقرير صدر في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، للكاتب المعروف بعلاقاته الوطيدة مع «الموساد» رونن برغمان، الذي يعدّ الناطق غير الرسمي باسم الجهاز. وتحت عنوان «قائد السلاح الكيميائي الروسي كان هدفاً للموساد»، كتب برغمان تقريراً طويلاً، أشار فيه إلى «تصويب» الاستخبارات مبكراً على السلاح الكيميائي الروسي والمسؤولين عن تطويره، في عمليات كشف وتعقب ومتابعة بدأت في حقبة الاتحاد السوفياتي وكذلك في السنوات التي أعقبت انهياره، مع التلميح، اللافت جداً، إلى أن «الموساد» هو الذي اغتال مسؤول ملف السلاح الكيميائي الروسي عام 2002، الجنرال إنتولي كونتسفيتش، بعد تحذيرات لم تجد نفعاً، وجهت إلى موسكو لمنعه من مساعدة سوريا، في تطوير السلاح الكيميائي.
وفي محاولة ربط الأزمة الحالية بين لندن وموسكو، و«اليقظة» الاستخبارية الإسرائيلية المبكرة، أشار برغمان إلى أن المشروع الذي كان يعمل عليه الجنرال كونتسفيتش، المعروف في السابق باسم «نوفيتشوك»، شهد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تطويراً ملحوظاً لغاز الأعصاب، جرى استخدامه أخيراً في بريطانيا في وقت سابق من الشهر الحالي، ضد الجاسوس الروسي سكريبال وابنته.
ويرد في تقرير برغمان أنه في تموز 1995، عمد الجنرال الروسي إلى تعزيز صلاته الشخصية بالمسؤولين السوريين، وذلك تحت ستار زيارات عمل عادية كجزء من العلاقات العسكرية الإيجابية بين البلدين، لكنه تلقّى في موازاة ذلك أموالاً طائلة من السوريين في مقابل نقل معرفته وخبراته، وأيضاً تأمين معدات، لتطوير أسلحة كيميائية في سوريا، و«جزء من تفاصيل هذه الصفقات وصل إلى الموساد في نهاية التسعينيات، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، ايهود باراك، إلى تحذير القادة في موسكو من دون جدوى، مما يخطط له سراً، وكان الاعتقاد في تل أبيب أن الرئيس (بوريس) يلتسين لم يستطع، أو انه لم يرغب، التدخل في هذه القضية».
في كتابه الصادر في كندا تحت عنوان «المتطوع» للضابط السابق في الموساد مايكل روس، ورد أن إسرائيل بعدما تبيّن لها أن الضغط على روسيا لم يكن ناجحاً، طلبت منه (روس) التظاهر بأنه يعمل على إنتاج فيلم وثائقي عن غاز الأعصاب، و«خلال لقاءاته المتكررة مع كبار المسؤولين في الكرملن، ادّعى روس أنه تجمعت لديه معطيات تشير إلى أن الأسلحة الكيميائية كانت تباع من قبل كونتسفيتش إلى السوريين»، لافتاً إلى أن الهدف كان «تخويف» موسكو بأن هذه المعلومات قد تتسرب إلى الإعلام لاحقاً، «لكن أيضاً هذه المحاولة لم تحقق النتائج».
يؤكد برغمان أن إسرائيل كانت محبطة وغاضبة نتيجة فشل محاولاتها، و«في 29 نيسان 2002، في ظروف لا تزال مجهولة، توفي كونتسفيتش أثناء رحلة من حلب إلى موسكو». ويضيف «يبدو أن السوريين على ثقة بأن الاستخبارات الإسرائيلية قد نجحت في الوصول إلى الجنرال وتسميمه».
وللتأكيد على «صدقية» التقرير واستنتاجاته و«تلميحاته»، يشير برغمان إلى دليل ظرفي حول «وثيقة سرية رفيعة المستوى» لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قال إنها تحدثت عن الفترة نفسها، أشارت إلى أن سوريا تمكنت إلى حين وفاته (الجنرال الروسي) من إنتاج مخزون كبير من الأسلحة الكيميائية، و«وفقاً لمصادر أخرى مختلفة» من دون تحديدها، أشار برغمان إلى أن كونتسفيتش زوّد المسؤولين السوريين بمخططات عن مشروع نوفيتشوك لتطوير السلاح الكيميائي، و«لو أنه لم يمت خلال عودته إلى موسكو، لكانت المشاكل التي يواجهها الغرب، وخاصة إسرائيل، أكثر خطورة».
الواضح أن التقرير الاسرائيلي، كما يرد في الشكل والمضمون و«التلميحات»، يهدف إلى الوقوف إلى جانب بريطانيا في أزمتها الحالية ضد روسيا. والواضح أيضاً أن «التلميحات» التي لا يبعد أن يكون «الموساد» خلفها عبر السماح بنشرها واستخدامها، يحاول إضفاء صدقية على التقرير ومضمونه، مع الاحتفاظ بحق الانكار اللاحق منعاً لتحمل المسؤولية عمّا يرد فيه. في الوقت نفسه، واضح جداً حجم ومستوى التحريض على الدولة السورية و«سلاحها الكيميائي» وزج اسمها في حرب غاز الأعصاب بين بريطانيا وروسيا، وفي موازاة كل ذلك «تمنين» أوروبا والغرب، من أن هذا «الخطر» كان ليهدّدهم بما لا يقاس لولا التدخل الإسرائيلي المبكر.