بعد أسبوعين من حملات العنف الموجهة ضدّ المسلمين، والتي استهدفت محال تجاريّة وسكنيّة ومساجد، ودفعت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ وتعطيل بعض مواقع التواصل الاجتماعيّ، عاد الهدوء إلى سريلانكا. ولكن كما يقول متابعون للوضع، ليست هذه سوى جولة جديدة من العنف ضدّ المسلمين، يُرجّح أن تتكرر مستقبلاً مع استمرار تنامي النزعات القوميّة و«الإسلاموفوبيا» في عدد من الدول الآسيوية.تردت الأوضاع في بعض بلدان جنوب شرق آسيا، إلى درجة صار فيها حادث صغير، أو حتى إشاعة مختلقة، قادحاً لصدامات إثنيّة. في ميانمار، كان يكفي أن ينشر كاهن بوذيّ خبراً كاذباً عن اغتصاب مسلمين سيّدة بوذيّة لإشعال حملات عنف جماعيّة، وتعيش بعض مناطق الهند صدامات متكررة بين المسلمين والهندوس بمجرد انتشار خبر عن ذبح بقرة، وفي الحالة التي عاشتها سريلانكا في الأسابيع الماضية كانت البداية خصاماً بين سائق شاحنة وبعض الشبان بعد حادث طريق عاديّ نهاية الشهر الماضي.
وبتحريض من بعض الرهبان المسيّسين، انطلقت عصابات في وسط وجنوب شرق الجزيرة، وهي مراكز يتكثّف فيها وجود المسلمين، في حرق الممتلكات وتخريبها. ولاحتواء الموقف، لجأت الحكومة الى إعلان حالة الطوارئ يوم 6 آذار الجاري، وتعطيل موقع «فايسبوك» وبعض تطبيقات التواصل مثل «فايبر» و«واتس آب»، قبل أن ترفع عنها الحظر قبل أيام.
لفهم ما حصل، يجب الذهاب أبعد من القراءة الخبريّة والبحث في خلفيات وجذور التوترات الإثنيّة في البلاد. يبلغ عدد سكان سريلانكا حوالى 20 مليون نسمة، 74 بالمئة من هؤلاء ينتمون إلى «السينهالا» ويتبنون البوذيّة، فيما الأقليّة الأولى في البلاد هي «التاميل» الذين يعتنقون في أغلبهم الهندوسيّة، يليهم المسلمون الذين يبنون هويّتهم على أساس دينيّ وليس إثنيّاً (ينحدر جزء واسع منهم من التجار العرب)، مع وجود أقليّة مسيحيّة.
في مقالة حول الأحداث، يوضح الباحث المختصّ في فضّ النزاعات، اس. أي كيثابونكالان، أنّ الحملة المعادية للمسلمين بدأت بداية هذا العقد، أي بعد القضاء على التمرّد الانفصاليّ الذي قادته منظّمة «نمور التاميل» على مدى أكثر من ثلاثة عقود. ويقول الباحث إنّ المسلمين ساهموا في الحرب إلى جانب الحكومة، وذلك بحكم إتقان جزء منهم للتاميليّة (كلغة)، ما جعلهم مؤهلين للعمل في مناطق التمرد ضمن قوات الأمن والإدارات، وساد تلك الفترة وئام بين المسلمين والأغلبيّة «السينهاليّة».
بعد انقضاء الحرب الأهليّة، صار الدور الوظيفيّ للمسلمين هامشيّاً، وتحرك ما يسميه الأنثروبولوجيّ السريلانكيّ ستانلي تامبيه خوف "الأغلبيّة التي تعاني من عقدة الأقليّة". وفقاً لهذه القراءة، يرى السنهاليّون أنفسهم كأقليّة في محيطهم، رغم أنّهم أغلبيّة في بلدهم، حيث ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم امتداداً لمسلمي الهند والأمّة الإسلاميّة، وإلى التاميليّين باعتبارهم امتداداً لهندوس الهند، فيما هم بوذيّون بلا امتداد. جوهر ما يقوله تامبيه، هو أنّ السنهاليّين في حاجة دائماً إلى عدوّ، وفي غياب العدو التقليديّ، صار المسلمون الخطر الأكبر.
يُغذّي هذا الخوف المستجد عدد من السرديّات، من ذلك مثلاً، يقول كيثابونكالان، إنّ المسلمين بصدد التكاثر بمعدلات مثيرة للانتباه، وهم يسيطرون على الاقتصاد، إضافة إلى وجود ميول متشددة لديهم. ويستشهد المتطرفون «السنهاليّون» بنموذجَي أفغانستان والمالديف، اللذين تحولا من بلدين يهيمن عليهما البوذيّون إلى بلدين مسلمين، وقاد كلّ ذلك إلى حملات ذات طابع ثقافيّ، صارت تميل إلى العنف بشكل متزايد.
في حوار أخير مع جريدة «ذو هيندو»، يوضّح رؤوف حكيم، وهو أحد القادة السياسيّين للمسلمين، أنّ تلك الحملات ليست إلا «تمظهراً محليّاً لظاهرة عالميّة وهي الإسلاموفوبيا». ذلك أنّها استهدفت مسائل ثقافيّة مثل الحجاب واللحم الحلال، لم تمثّل سابقاً مشكلاً في المجتمع السريلانكيّ. ورغم عدم إنكاره وجود بعض مظاهر التديّن الجديدة التي تجعل من «الضروريّ أحياناً أن تواجه بالنقد»، فإنّ الممارسات الإقصائيّة «تثير امتعاض أغلب المسلمين في البلاد... وهي على كلّ حال ليست منتشرة بدرجة مقلقة».
في ختام مقاله، يقول كيثابونكالان إنّ الرهبان الذين يقودون هذه الحملات، عبر عدد من المنظمات القوميّة، لا يتعرضون إلى العقاب نظراً إلى طبيعة الدولة ومكانتهم فيها. ويشير إلى أنّه في حال استمرار غياب محاسبة دعاة العنف، وعدم بذل مجهود لنسف أساطير من قبيل سعي المسلمين إلى «استخدام مواد تضاعف خصوبتهم، وتعقيمهم للنساء البوذيات»، فإن ذلك سيؤدي إلى تنامي العنف ومزيد من انغلاق الجماعات على نفسها، وبالتالي تدمير أسس العيش المشترك.




في بداية هذا الشهر، نشرت «مجموعة الأزمات الدوليّة» حواراً مع مدير برنامجها في سريلانكا، جاء فيه أنّ «العنف الجاري يرجع إلى عودة المجموعات البوذيّة المتشدّدة التي ظهرت أوّل مرة في عامي 2012 و2014 بدعم من حكومة ماهيندا راجاباكسا. فبعد تراجعها خلال العامين الأولين من حكم حكومة التحالف القائمة، تجددت الهجمات على المسلمين لمدة ستة أسابيع في شهري نيسان وأيار من العام الماضي، وليومين في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، بعدما تجرّأ المتشددون نتيجة ما يبدو أنّه فشل الحكومة في محاكمة المسؤولين عن العنف وخطاب الكراهيّة، في ظلّ نظام راجاباكسا».