مع أن «إجازة» الوفد الأمني المصري امتدت لثلاثة أيام بدلاً من 24 ساعة كما كان معلناً، ورغم أنه خروجه كان فجائياً وبطريقة أشعرت حركة «حماس» بأن المصالحة انتهت، فإن الوفد عاد ظهر أول من أمس عبر حاجز «بيت حانون ــ إيريز»، وما لبثت حكومة «الوفاق الوطني» أن أعلنت أمس، أن رئيسها رامي الحمدالله سيحل «ضيفاً» في قطاع غزة اليوم، من دون أن تحدّد مضمون الزيارة وتفاصيلها.وسيرافق الحمدالله في هذه الزيارة رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، فيما من المقرر أن يلتقي الاثنان بـ«حماس» والوفد المصري الذي كان آخر ما وصل إليه هو عجزه عن إقناع الحركة بتسليم الجباية الداخلية في غزة والأمن لرام الله من دون تقديم ضمانات من الأخيرة بدفع رواتب موظفي حكومة غزة السابقة. مع ذلك، عمل الوفد هذه المرة على لقاء «أغلب ألوان الطيف الفلسطيني» منذ قدومه في الخامس والعشرين من شباط الماضي، كما تقول مصادر مقرّبة من «حماس»، الأمر الذي أثار الريبة لدى جهات أمنية وسياسية في الحركة، إذ شعرت أن هذه اللقاءات تحمل أهدافاً غير معلن عنها تتعلق بالتعرف على «تفاصيل المجتمع الغزي كافة، وبناء علاقات مع الشخصيات ومراكز القوى في القطاع».
المصادر نفسها قالت لـ«الأخبار» إن الوفد الذي يترأسه اللواء في جهاز «المخابرات العامة» سامح نبيل، ومعه العميد في الجهاز نفسه عبد الهادي فرج، والقنصل العام المصري في رام الله خالد سامي، كان قد غادر غزة الخميس الماضي ــ قبل عودته ــ بعدما لم يفلح في دفع «حماس» إلى تسليم الجباية، وأيضاً بعدما «لم يستطع الالتفاف على تعنّت الحركة في فرض سيطرة الحكومة على بعض الوزارات التي لها علاقة بالجباية غير وزارة المالية». وكان الوفد قد زار الإثنين الماضي وزارة النقل والمواصلات بصحبة وزيرها في حكومة «التوافق» سميح طبيلة، لتسلم الملفات الداخلية في الوزارة، بما في ذلك الموارد المالية التي تمثل قرابة 20% من الجباية الداخلية للحكومة في غزة، لكن ذلك قوبل برفض وكيل الوزارة في غزة تسليمهم ما يطلبون، متذرعاً بأن هذه الأمور متعلقة بالجباية، وأن تسليمها يتم بعد إعلان الحكومة حل مشكلة الموظفين.
سيلتقي الحمدالله وفرج قيادة «حماس» ثم الوفد الأمني


وترى المصادر أن تعنّت «حماس»، رغم ما حمله من «مخاطرة» بشأن مستقبل المصالحة، أثمر عن «ضغط مصري على رام الله لحل قضية موظفي غزة»، خاصة أن الوفد التقى قبل مغادرته المؤقتة نائب رئيس الوزراء، زياد أبو عمرو، وحمل له «رسالة شديدة اللهجة بضرورة حل قضية الموظفين لكي تسلم حماس الجباية»، وهو إلى حدّ ما قد يفسر زيارة الحمدالله، رغم أنه لا وعود بحلول.
إلى جانب قبول «حماس» تأمين الوفود الزائرة، سيلتقي الحمدالله وفرج قيادة «حماس» على انفراد اليوم، ثم يجتمعان بحضور الوفد المصري «للتباحث في ملفات المصالحة المتعثرة»، تضيف المصادر. كذلك توقعت المصادر حدوث لقاء بين مدير قوى الأمن في غزة توفيق أبو نعيم، ورئيس الوزراء الذي يحمل حقيبة الداخلية، وذلك «للتباحث في القضايا الأمنية، خاصة قضية بوابة صلاح الدين (جنوب القطاع)» التي رفض أبو نعيم إغلاقها مسبقاً وتدخل منها حالياً بضائع مصرية، فيما أدخلت إيرادات إلى «حماس» تقدر بـ3.5 ملايين دولار.
وعلمت «الأخبار» أنه وفق التفاهمات بين «حماس» و«الوفاق» والوفد المصري، سيبدأ الأسبوع المقبل استيعاب مئات الموظفين التابعين لحكومة رام الله في وزارات غزة، إذ سيعودون إلى أكثر من ست وزارات هي: التعليم، الشؤون الاجتماعية، الأشغال، العمل، الثقافة، السياحة.
أما عن المغادرة الفجائية للوفد، فنقلت مصادر مقرّبة من الأخير أنها جاءت «للتشاور مع قيادة جهاز المخابرات في القاهرة»، لكن من دون أن تؤكد عودته بأفكار وحلول جديدة يمكنها دفع المصالحة، في ظل انقضاء المواعيد المتفق عليها منذ خمسة أشهر بين «حماس» و«فتح».

«حماس» ودحلان يبحثان «ما بعد عباس»

علمت «الأخبار» من مصادر مقرّبة من «حماس» أنه جرت مؤخراً مباحثات مع «التيار الإصلاحي في فتح» الذي يقوده محمد دحلان، وذلك لنقاش مرحلة ما بعد رئيس السلطة محمود عباس. وتحدث الطرفان عن «خطوط تحالف في ما يتعلق بملفات منظمة التحرير والسلطة والحكومة»، وكذلك إمكانية دعم مرشح لرئاسة السلطة يمكن التوافق عليه، كما يمكن أن ينال دعم «الجبهة الشعبية».
وتشير المصادر إلى أن هناك توافقاً في الأفكار حول توزيع المناصب التي يشغلها الرئيس عباس على ثلاثة أشخاص ومنع تكرار الرجل الواحد في القيادة. هذه التفاهمات أتت في ضوء طروحات قدمتها أخيراً السلطات المصرية إلى «حماس» بإعادة تفعيل المجلس التشريعي (البرلمان)، بشرط موافقة الحركة على رئاسة النائب سلام فياض «المقبول أميركياً ودولياً»، وذلك لتجاوز مشكلة تولي عزيز دويك، القيادي في «حماس» ورئيس «التشريعي»، الرئاسة بعد عباس، في ظل أن القانون الأساسي ينص على أن رئيس التشريعي هو من ينوب عن الرئيس في حال وفاته، وهو ما حاول عباس الالتفاف عليه في آذار الماضي عندما أعلن تشكيل المحكمة الدستورية الفلسطينية، قبل أن يكون هناك دستور للدولة، وهو ما عدّه قانونيون ممارسة سياسية لتكريس الحكم ما بعد الرئيس.
المصادر قالت إن «حماس» ردّت على المصريين بأنها ترحّب بتفعيل «التشريعي» بعد تعطيله من الرئيس عباس عام 2007، لكن «التخلي عن رئاسة المجلس غير مقبولة ولن تفرط بها خلال الفترة المقبلة».