يستبعد جزء مهم من مقالات الرأي في الصحافة الغربية خوض السعودية وإيران حرباً عسكرية مباشرة، متوقعاً استمرار الحرب العسكرية بالواسطة، عبر «الوكلاء». أما على المستويات الأخرى من الصراع، فتتناقض الآراء بين من يتحدث عن «خوف» وإحساس بالعجز يحكمان سياسات الرياض على المستويات الخارجية والداخلية كافة، بما في ذلك السياسة النفطية، بينما يتحدث محللون آخرون عن مستوى جديد من حرب منهجية تخوضها السعودية، أهم مظاهرها ما يعتقدونه رهاناً سعودياً على «طول نَفَس» المملكة في حرب نفطية تستهدف إيران وروسيا خصوصاً، وأيضاً الولايات المتحدة التي باتت منتجاً كبيراً للنفط الصخري، والتي رأت الرياض في موافقتها على الاتفاق النووي الشهير «خيانة» بحقها.
وبغض النظر عن صحة تلك السيناريوات المتداولة إعلامياً، أو مدى اقترابها من تجسيد طبيعة الصراع ودينامياته، فالأكيد أن اعتماد قطبَي الصراع الإقليميَّين الاستقطاب المذهبي سلاحاً أساسياً، «سيستمر في تمزيق (النسيج الاجتماعي) للإقليم، وغرس بذور الكره والانتقام في نفوس الأجيال المقبلة»، حسبما تقول مجلة «فورين بوليسي» الأميركية.
لا شك في أن الهيمنة على المناطق الغنية باحتياطات النفط والغاز هي إحدى أهم محددات الحرب الإقليمية ــ الدولية الدائرة. وفي هذا السياق، يرى الكاتب في موقع «ذي إنترسبت»، جون شوارتز، أن خارطة وضعها أستاذ في كلية تابعة لسلاح الجو الأميركي، تُظهر مناطق تركّز النفط والغاز في المنطقة وتوزع السكان المذهبي فيها، تبيّن ترابطاً قوياً بين هذين المعطيين، وبين خطوط التماس الإقليمي ــ الدولي في المنطقة، وبؤرها الساخنة.
وعلى العكس من إسهاب صحيفة «نيويورك تايمز»، في مقال نشرته قبل نحو أسبوع، في شرح «كيف يختلف الإسلام السنّي والإسلام الشيعي»، وحديثها عن «الهوة التي ظهرت بعد وفاة النبي محمد» قبل أكثر من ألف عام، كمدخل لـ«تفسير» أسس الصراع الإقليمي، يتحدث شوارتز، في مقال نُشر في السادس من الشهر الجاري، عن «خارطة واحدة تفسر الصراع السعودي الإيراني»، أكثر من الخلاف حول أحقية أبو بكر أو علي بخلافة الرسول. وضع الأستاذ في مدرسة العمليات الخاصة التابعة لسلاح الجو الأميركي في فلوريدا، مايكل إيزادي، الخارطة المذكورة، التي تُظهر أنه «بسبب ترابط غريب بين التاريخ الديني والتحلل اللاهوائي للعوالق (المؤدي إلى تشكل النفط والغاز)، فإن الوقود الأحفوري كله تقريباً، في الخليج الفارسي، هو تحت أقدام الشيعة»، يقول شوارتز، مشيراً إلى أنه حتى في السعودية، فإن معظم آبار النفط هي في «المنطقة الشرقية» ذات الغالبية الشيعية، وإلى أن الشيخ نمر النمر الذي أعدمته الرياض أخيراً كان قد جاهر عام 2009 بأن السعوديين الشيعة سيطالبون بالانفصال عن المملكة في حال لم تحسّن الحكومة معاملتها لهم، ما أكد خوف «آل سعود الأكبر من أن يستقل السعوديون الشيعة بنفطهم، ويتحالفون مع إيران».
وبحسب شوارتز، فإن الأمر نفسه يفسر لماذا ساعدت السعودية «البحرين، وهي دولة غنية بالنفط وذات غالبية شيعية تحكمها أقلية سنية، في سحق نسختها من الربيع العربي عام 2011». ويضيف الكاتب أن «حسابات مشابهة كانت وراء قرار (الرئيس الأميركي الأسبق) جورج بوش (الأب) بدعم (الرئيس العراقي) صدام حسين حين استخدم الأسلحة الكيميائية عام 1991 لقمع تمرد العراقيين الشيعة في نهاية حرب الخليج»، ناقلاً عن الكاتب في جريدة «نيويورك تايمز»، ثوماس فريدمان، تصوره بأن حسين كان قد «حافظ على وحدة العراق، ما أرضى حلفاء أميركا، تركيا والسعودية».
وفي ما يتعلق بالخلاف الكبير في الآراء حول ما إذا كانت السياسة النفطية السعودية الحالية هي أحد تجليات أزمة شاملة تعيشها الرياض، أو هي جزء من مخطط هجومي مدروس تنفذه الأخيرة، يمكن تمييز منطقين أساسيين؛ يعبّر عن المنطق الأول، مثلاً، كينيث بولاك، في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» في السابع من الشهر الجاري، يقول فيه إن آل سعود «خائفون من كل شي، من صعود إيران إلى انهيار أسعار النفط»، مضيفاً أنه في حين «يبدو أن الجميع يعتقد أن السعوديين يمتنعون عن خفض إنتاج النفط لإخراج منتجي النفط الصخري في شمالي أميركا من السوق... (يقول السعوديون) إنهم باتوا غير قادرين على السيطرة على سوق النفط، بسبب كثرة مصادر النفط (خارج أوبك)، ولأن دول أوبك تمارس الغش بجنون كلما حاولت الرياض تنظيم خفض للإنتاج»، في مسعى من الدول هذه لزيادة حصتها في سوق النفط.
ويدعم وجهة النظر هذه تصريحات كالتي أدلى بها وزير الطاقة الروسي، أليكساندر نوفاك، مطلع حزيران الماضي، حين قال إنه لا تأثير مباشراً لأوبك على سوق النفط العالمي، مع تعاظم دور منتجي النفط من خارج أوبك، «بما في ذلك الدول غير المصدرة للنفط، والتي تزيد إنتاجها لتلبية استهلاكها المحلي»، مشيراً إلى الولايات المتحدة في هذا السياق. وتجدر الإشارة إلى أن دول أوبك تنتج حوالى 40% من النفط الخام، وتصدّر حوالى 60% من النفط المُتاجَر به عالمياً، بحسب إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة.
أما المنطق المقابل، فيعبّر عنه مثلاً إياد البغدادي، في مقال في المجلة نفسها، نُشر في اليوم نفسه، يقول فيه إن السعودية تتعمد إغراق الأسواق بالنفط، لتتسبب في انهيار أسعاره، وذلك لاستنزاف إيران خصوصاً، مراهنة على احتياطاتها المالية الضخمة وقدرتها الكبيرة على الاستدانة، فضلاً عن «الإصلاحات» الاقتصادية التي بدأت تنفيذها. ويجزم البغدادي بأن «إيران لا يمكنها أن تنفق أكثر من السعودية (على حروبها)، وهي غير قادرة على أن تصمد أكثر من المملكة في بيئة من النفط الرخيص».