منذ ترشح دونالد ترامب للرئاسة إلى اليوم، عمد المحلّلون والمراقبون إلى تناول واقعه من خلال تعيير انعدام خبرته السياسية، وحدّة خطابه الذي تبيّن لاحقاً أنه أثار غرائز غالبية الأميركيين. وفي ظل نقص التجربة السياسية، (التي بناءً عليها يُكرم المرء أو يهان، وفق أهواء مختلفة)، عمل الإعلام الأميركي على استحضار "فضائح" تتعلق بحياة ترامب الاجتماعية والشخصية، فغافله أحياناً بتسجيلات تُظهر خطابه السيئ والمهين بحق النساء، وأحياناً أخرى بتهرّب ضريبي وبغيرها من الأدوات؛ وبين هذا وذاك طالعه باستطلاعات تُبرز انعدام فرصه في الفوز في الرئاسة. لم تكن التجربة صعبة بوجود حالة وشخصية إعلامية معروفة ومثيرة للجدل، مثل ترامب. وربما بدت الصعوبة لدى الذين تناولوا ظاهرته، في عدم فهمهم للشارع. إلا أن الأهم من كل ذلك، كان عدم الالتفات إلى ذهنية هذا المرشّح الحسابية والتجارية، التي وقفت وراء صعود مؤسساته وبروز اسمه كقطب عقارات ومال، وربما كانت سبباً في انتخابه، ولا سيما أن غالبية خطاباته ركّزت على الجانب الاقتصادي من منظار مبسّط يعكس هموم الأميركيين. ولكن هل يعني ذلك أن ترامب جاء، فعلاً، من خارج المنظومة، أو ما يُسمى الـ"إستابليشمانت"؟بنظرة سريعة على كل ما حوله، يمكن تبيان ما يعارض هذه الفرضية. ترامب سيدخل إلى البيت الأبيض، في 20 كانون الثاني المقبل، متسلِّحاً بأهم الأسلحة لدى الرؤساء الأميركيين التقليديين، في بداية ولايتهم الأولى، أي كونغرس ذي غالبية حزبية مماثلة لسياسته، سيكون مسهّلاً لقرارات كثيرة قد يتخذها، وذلك بعدما تمكن الجمهوريون من الفوز في مجلس الشيوخ، بـ51 مقعداً في مقابل 47 للديموقراطيين، وفي مجلس النواب بـ239 مقعداً مقابل 192. جاءت هذه النتيجة لتنفي فرضية أخرى كان أساسها الترويج لفكرة أن الحزب الجمهوري واقع في مأزق، ليتبيّن بعد الانتخابات أن هذا المأزق من نصيب الحزب الديموقراطي، في ظل التناقص الواضح في شعبية قادته، ووسط عدم وجود إدارة واضحة له، إثر استقالة رئيسة لجنته الوطنية ديبي ويسمان شولتز، في وقت سابق من العام الحالي. كل ذلك فضلاً عن الفضائح التي رافقت قادته بسبب تفضيلهم مرشحاً على آخر، أي هيلاري كلينتون على بيرني ساندرز.
بنظرة ثانية، يتبيّن أن ترامب أعاد الزخم للحزب الجمهوري، ومهما كانت اعتراضات أعضائه على أدائه عندما كان مرشحاً، فإن شعبيته ستشكل بيضة القبّان وستؤخذ في الاعتبار عند كل استحقاق تشريعي، لتنتهي إلى تسويات مُفترضة في مسائل كثيرة، بما يرضي الطرفين، خصوصاً في السياسة الداخلية.
لطالما رضخت مواقف دونالد ترامب إلى التغيير والمواربة

والأكثر تعبيراً عن هذه النقطة، ما ذكرته العضو في الحزب الجمهوري كوري شايك، التي سبق أن عملت في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون. فقد أعربت عن أملها الكبير في أن ينضم زملاؤها المحافظون إلى الإدارة الحالية. وقالت، في حديث إلى صحيفة "بوليتيكو"، إن "المساعدة في عدم انتخاب ترامب شيء، والقيام بما هو أفضل بعد حصوله على أصوات الناخبين، شيء آخر". ويأتي موقف شايك الأخير مناقضاً لموقف سابق كانت قد صرّحت فيه بأنها لن تعمل أبداً لمصلحة ترامب.
واستطراداً، قد تنفع الإشارة إلى أن مواقف ترامب من غالبية القضايا الداخلية، تتماثل مع مواقف حزبه. ومنها مثلاً مسألة التأمين الصحي (أوباما كير)، التي انتقدها طوال فترة حملته الرئاسية، فيما كانت ولا تزال تلاقي اعتراضات متصاعدة من غالبية القادة الجمهوريين، الأمر الذي يعني إمكانية السعي إلى تعديلها، في العهد الجديد. كذلك، يمكن ذكر مثلٍ آخر، وهو توافق الرئيس المنتخب والكونغرس على حرية امتلاك السلاح، الأمر الذي طالما دعا الديموقراطيون وهيلاري كلينتون إلى تقييده. نقطة ثالثة تبرز هنا، أيضاً، وهي أن اختيار أعضاء المحكمة العليا، سيجري بما يتناسب مع رؤى الحزب الجمهوري المحافِظة، من دون اعتراضات من الرئيس على الأقل.
فضلاً عن ذلك، فإن نائب ترامب، مايك بنس، يُعرف على أنه شخصية من صلب المنظومة السياسية الأميركية. وقد وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" أمس، بأنه الجسر إلى الـ"إيستابلشمنت". هو "كل شيء لا يمكن أن يكونه دونالد ترامب"، على حدّ تعبير الصحيفة، التي أشارت إلى أنه "موظف في الشأن العام، خدم في الكونغرس وحكم ولاية".
من جهة أخرى، ما زال من غير الواضح كيف سينظر دونالد ترامب إلى خارج الحدود الأميركية، وإلى القضايا الاقتصادية المهمة. كل التحليلات كانت تشير إلى أن رؤيته لهذا المجال مختلفة عن أسلافه، بناءً على مواقفه التي أطلقها منذ ترشحه. ولكن ذلك لا ينفي أنه قد يخالف التوقعات كما ناقض سابقاتها بفوزه في الانتخابات الرئاسية. فمن الواضح أنه كان قد بدأ يرسم الحقبة المقبلة، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، آخذاً في الحسبان كل ما تقدم من هواجس. وفي هذا المجال، يمكن الانتقال إلى ما ذكره موقع "ذي انترسبت" قبل أيام قليلة. فقد أشار لي فانغ في أحد التقارير إلى أن ترامب بدأ بالعمل على تشكيل نواة إدارته المستقبلية. وقال إنه "في الوقت الذي أنهى فيه حملته، قبل أيام، كان فريقه يُعدّ لتوزيع الإدارة، مستنداً إلى مجموعة من أصحاب الشركات وسماسرة السلطة في الحزب الجمهوري".
ووفق التقرير، استأنف "الفريق الرئاسي الانتقالي" وضع الخطط، وخرج بلائحة تتكوّن من أكثر من 4 آلاف شخص ليشغلوا تعيينات عدة، بما فيها وظائف في البيت الأبيض، ووزراء في حكومة ترامب المرتقبة، وأيضاً وظائف أقل شأناً تشرف على الجيش والزراعة والتجارة وغيرها. وأشار فانغ إلى أن مجموعة Trump for America Inc، وهي منظمة غير ربحية يديرها حاكم نيوجرسي كريس كريستي، بدأت بالإشراف على الفترة الانتقالية التي يمرّ فيها فريق ترامب، وعقدت اجتماعات مع جماعات المصالح، وتواصلت مع مجموعات الضغط من أجل التخطيط لإدارة ترامب المستقبلية.
المفارقة هنا، أن ترامب كان قد انتقد مجموعات الضغط وجماعات المصالح، أكثر من مرة، خصوصاً خلال الانتخابات التمهيدية. "لقد تبرأت من جميع اللجان السياسية" قال في إحدى المناسبات، مضيفاً أنه سيعارض أي دعم من جماعات الضغط وغيرها من مجموعات المصالح. لكن من الواضح أن الوصول إلى الرئاسة، ومواصلة إدارتها لا يجريان إلا عبر هذه المفاتيح الأساسية التي ليس من السهل تخطيها. وفي هذا الإطار، لفت فانغ إلى أنه بعد حصوله على ترشيح الحزب الجمهوري، في تموز الماضي، عدّل ترامب موقفه بسرعة، "ليس فقط من خلال جمع الأموال من جماعات الضغط، ولكن أيضاً باعتماده على استراتيجيات اللجان السياسية (Super Pacs)، التي تُستخدم من قبل المرشحين التقليديين".
وبما أن مواقف ترامب غالباً ما كانت راضخة للتغيير والمواربة، إلا أن ذلك لا يعني أنها غير مبنية على حسابات وتقديرات. ومن الممكن التعويل، في هذا الإطار، على ما ذكره فانغ عن أن مجموعة إدارته الانتقالية، عقدت اجتماعات منتظمة في واشنطن، استضافت فيها المدير الإداري في شركة "مايكروسوفت" إيد إنغل، والمستشار التقني لدى الشركة ستيف هارت، اللذين كانا قد عملا على تعزيز اتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، التي كان ترامب قد انتقدها، واصفاً إياها بأنها "كارثة". من جهة أخرى، شارك في هذه الاجتماعات شركات ومراكز مهمّة تمثل مصالح وول ستريت، فيما اجتمع مندوبو ترامب أيضاً مع مجموعة "بي دي آر"، التي تُعرف على أنها شركة ضغط تمثل مصالح السعودية (هاجمها ترامب أكثر من مرة لأنها لا تدفع للولايات المتحدة مقابل حمايتها)، وحكومة كوريا الجنوبية.




احتجاجات في عدة ولايات

اندلعت احتجاجات في عدة ولايات أميركية، أمس، على خلفية فوز المرشح الجمهوري دونالد ‏ترامب في الانتخابات الرئاسية.‏ وأورد موقع "يو اس إيه توداي" أن "محتجين غاضبين من فوز ترامب انطلقوا في الشوارع ‏في جنوب كاليفورنيا (شرق الولايات المتحدة)، وسبّب البعض منهم وقف حركة النقل وأضراراً بالممتلكات".‏
وأحرق متظاهرون دمية تجسّد ترامب، وحطموا نوافذ غرفة الأخبار لموقع "أوكلاند تريبيون". كذلك تظاهر مئات الطلاب في شوارع في بيركلي ‏وسان خوسيه، وأكثر من 200 شخص في مدينة أوكلاند، وأغلقوا الشوارع مردّدين هتافات "هذه شوارعنا... وهذا ليس رئيسي".‏