لم تقل انتخابات الرئاسة الأميركية كلمتها الأخيرة حتى وقت متأخر من فجر اليوم. الجميع يحبس أنفاسه، فيما كانت النتائج الأولية تُشير إلى تقدم المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، إثر إعلان فوزه في ولايتي كنتاكي وإنديانا.وبينما لم تُحسم نتيجة الاقتراع في أي من الولايات المتبقية، فإنه كان يكفي تأرجح ولاية فلوريدا بينه وبين منافسته هيلاري كلينتون، طيلة الليل، لتشتعل مخاوف الديموقراطيين من خسارة هذه الولاية، لاسيما أن كلينتون تعوّل عليها للفوز في الانتخابات. وفي ظل صعود ترامب هناك، لفترة وجيزة، عادت إلى الأذهان خيبة الأمل التي ألحقتها هذه الولاية بالحزب الديموقراطي، في انتخابات العام 2000، عندما رجّحت كفة المرشح الجمهوري جورج بوش على الديموقراطي آل غور، بعدما جرت إعادة احتساب الأصوات فيها.
ومع تقدم الوقت عادت كلينتون لتحرز تقدماً ضئيلاً على ترامب في الولايات المتأرجحة، خصوصاً في أوهايو ونورث كارولينا.... لتقطع ظاهرة دونالد ترامب أنفاس العالم حتى لحظات السباق الأخيرة


هكذا هي الانتخابات الأميركية عادة: حبس أنفاس حتى اللحظات الأخيرة لمعرفة هوية الرئيس المقبل. لكن فجر اليوم، كان المشهد أكثر تعقيداً: الإدارة الأميركية، ومن خلفها قادة العالم الغربي، كانوا يريدون انتصار هيلاري كلينتون في وجه «الشعبوي» و»المجنون»، دونالد ترامب الذي لم يستسلم حتى في الأمتار الأخيرة. فقبيل انتهاء السباق الرئاسي في عدد من الولايات فجراً، وجّه نداء إلى مناصريه عبر موقع «تويتر»، قائلاً: «لا تستسلموا، واصلوا تشجيع الناس على التصويت. هذه الانتخابات لم تنته بعد. الأمور جيدة بالنسبة الينا ولكن لا يزال هناك وقت. إلى الأمام يا فلوريدا».
ولعلّ التباسات النتائج الأولى التي كانت تظهر تباعاً، قد هزت منظومة العالم الغربي السياسية التي لا تحب المفاجآت (وكيف بمفاجأة مدوية يمكن أن تجعل من ترامب رئيساً). وهكذا، بينما كان الجميع ينتظر النتائج النهائية (لن تظهر قبل منتصف الليل بتوقيت نيويورك، السابعة صباحاً بتوقيت بيروت)، بدا تصريح آت من برلين كفيلاً ربما بنقل النقاش إلى حيث يجب أن يكون، حين قال وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير: «نحن في اوروبا، وايضا عدد كبير من الاميركيين، مسرورون بانتهاء هذه الحملة الانتخابية؛ إنها تخلف وراءها إرثاً صعبا للمسؤولين المقبلين لأنها ادت الى انقسام البلاد». وأضاف شتاينماير «سيكون صعباً على الرئيس الأميركي المقبل أن يردم الهوة بين المعسكرين السياسيين التي باتت أكثر عمقاً». وفيما لم يشأ التطرق إلى الأثر المحتمل لذلك على العلاقات الدبلوماسية الثنائية، أعلن: «كما قلت الاسبوع الماضي، من الخطير خوض المعركة السياسية عبر التركيز على الصراع ومن دون فتح الطريق للتسويات الضرورية في (أي) ديموقراطية».
من شأن التصريح الألماني وحده أن يثير الشكوك حول واقع مجمل المنظومة الغربية، خاصة أن بروكسل كانت تعيش الخوف خلال الأيام الماضية. ففي العاصمة السياسية للاتحاد الأوروبي، كان بعض الدبلوماسيين والمسؤولين الأوروبيين «يصلّون» (كما ذكرت لوموند لفرنسية) كي لا يفوز دونالد ترامب، خاصة أنّ تقلب الأرقام أثار «الهلع». ووفق المصدر نفسه، ففي بروكسل حيث لا يشير المسؤولون، لا قبل الاستحقاق الانتخابي ولا بعده، إلى تفضيلهم لأي مرشح، كانت الغرف المغلقة تضجّ بالمخاوف من وصول ترامب. وأوضح سفير إحدى الدول لدى الاتحاد الأوروبي، إن هؤلاء يعتبرون أن فوز المرشح الجمهوري «كارثة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ويمثل تحديا وجوديا قد لا يتمكن في الوقت الحالي من مواجهته». ولفت إلى أنّ فوز كلينتون «يطمئنهم، كونها تنظر إلى الاتحاد على أنه أغلى من الذهب... وهو أولوية بالنسبة لها»، فيما نقلت الصحيفة عن مسؤولين آخرين وصفهم لترامب بـ»الكابوس»، وأضاف مسؤول أوروبي كبير أنّ «ترامب قد يتخذ قرارات يمكنها أن تعقد الوضع في الشرق الأوسط، ما سيمثل تهديدا أمنيا علينا». هكذا كانت صورة العالم ليلاً حين كان المشهد الأميركي غامضاً، ولا معطى واضحاً يحسم فوز كلينتون.
أما في واشنطن، فلابدّ أن أروقتها كانت تحبس الأنفاس، حتى بعدما وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما ثقله السياسي في خدمة حملة كلينتون، داعياً الأميركيين خلال تجمعها الانتخابي الأخير (ليل الإثنين) إلى التصويت لها، ذلك أنها «شخص استثنائي... لا تتذمر بل تمضي قدماً، وقوية وثابتة كالأميركيين». وهو كان قد اعتبر سابقاً أنّ «مصير الجمهورية» بين أيدي الأميركيين، محذراً من نجاح ترامب.
كان دبلوماسيون
ومسؤولون أوروبيون
«يصلّون» كي لا يفوز ترامب

قبل ذلك بساعات، كانت غالبية الاستطلاعات قد أقفلت على هامش ما بين 3 و5 نقاط لصالح كلينتون، وعليه، رأت «نيويورك تايمز» أن الأخيرة لديها حظوظ للفوز بنسبة 84 في المئة، بينما أشارت إلى أن لدى ترامب 14%. لكن في وقت لاحق، عُدّلت كافة الاستطلاعات لتشير إلى أن كلينتون تسبق ترامب بفارق ثلاث نقاط، فقط، بحصولها على 45.9% من أصوات المستطلعين مقابل 42.8% لترامب.
وفي السياق، كان استطلاع «واشنطن بوست» و»آي بي سي نيوز»، قد أشار إلى أنّ النتيجة النهائية ستُبنى على أساس المجموعات العرقية. وذكر الاستطلاع أن ترامب تقدم على كلينتون بـ16 نقطة بين الناخبين البيض، أي أنه حصل على 53 في المئة، فيما حصلت هي على 37 في المئة. في المقابل، حصلت المرشحة الديموقراطية على 77 في المئة بين الناخبين من غير البيض، فيما حصل ترامب على 15 في المئة. ومن ضمن هؤلاء، حازت كلينتون على 77 في المئة من أصوات الأميركيين من أصول أفريقية، يبنما حصل ترامب على 7 في المئة من هذه الأصوات (الأمر الذي يعد نموذجياً بالنسبة للديموقراطيين). فضلاً عن ذلك، حصلت كلينتون على 71 في المئة بين الناخبين اللاتين، في مقابل 19 في المئة لصالح ترامب (الأمر الذي يعد أكثر من نموذجي للديموقراطيين).
وأدى غموض النتائج بعيد منتصف الليل (بتوقيت بيروت)، إلى استعادة عدد مهم من وسائل الإعلام التذكير بأنّ حظوط ترامب في الانتصار تستند إلى الفوز في فلوريدا، ميشيغان، نورث كارولينا وأوهايو، إلى جانب الفوز في ولاية أريزونا التي تصنّف على أنها معقل للجمهوريين، وهناك كان السباق محتدماً (أما في يوتاه، فيعوّل المرشح الجمهوري على أن لا يتمكن المرشح المستقل إيفان ماكمولين من الفوز في هذه الولاية الجمهورية). وعلى الجهة الديموقراطية، تبقى ولاية نورث كارولينا أساسية لفوز كلينتون، ويجب أن تحصل فيها على أصوات الأميركيين من أصول أفريقية، والذين يشكلون نسبة عالية من الناخبين، وفي هذه الحالة كان على ترامب أن يفوز بكافة الولايات المنافسة الأخرى للوصول إلى البيت الأبيض.
يفتح اليوم على صورة جديدة للولايات المتحدة، لتبقى العبرة أنّ هناك «ديموقراطية مريضة» قد تؤذي العالم أجمع. وفي افتتاحيتها الأخيرة، اعتبرت «نيويورك تايمز» (التي تبنت كلينتون) أنّ «الانتخابات الرئاسية هذا العام كانت عبارة عن استعراض مرهق وقبيح، ولكنها أيضاً سلّطت الضوء على حقائق أساسية عن الولايات المتحدة»، مشيرة إلى أنّ «الكراهية (كانت) سلعة تسويقية، إذ أثبت دونالد ترامب أن العنصرية والتعصب ومهاجمة المرأة تساهم في تنشيط الحملة الوطنية».
أما عن الأميركيين أنفسهم، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته «رويترز»/»إبسوس»، أمس، أن من أدلوا بأصواتهم لاختيار رئيس، بدا عليهم القلق بشأن الاتجاه الذي تسير إليه البلاد، وعبّروا عن تطلّعهم إلى «زعيم قوي يستطيع أن يسترد البلاد من الأثرياء وذوي النفوذ». وأظهر الاستطلاع، الذي شارك فيه أكثر من عشرة آلاف شخص، أن غالبية الناخبين قلقون بشأن قدرتهم على المضي قدماً، وأن ثقتهم ضعيفة بالأحزاب السياسية أو الإعلام من أجل تحسين أوضاعهم.
(الأخبار)