شكلت الأزمة الأوكرانية أبرز تحدٍّ لإدارة الرئيس باراك أوباما، خاصة أنّ واشنطن لم توفر أي جهد لتحريك مساراتها وإشعالها. وكمنت أهمية تلك الأزمة في أنها أصابت مباشرةً العلاقات مع روسيا، لا بل إنّ اندلاعها بين عامي 2013 و2014 عُدّ لحظة فارقة في مسار التدهور الحاصل على مجمل خط الاشتباكات الغربية ــ الروسية.ولعب «المحافظون الجدد» دوراً بارزاً في إشعال هذه الأزمة، ما قدّم أدلة على عدم خروج هؤلاء من صلب وزارة الخارجية عقب انتهاء عهد جورج بوش، وشكل أداةً لفهم وجهات النظر المختلفة التي تطغى على إدارة أوباما (الأمر الذي برز بصورة فاقعة في خلال الأشهر الأخيرة، في ما له علاقة بسوريا).
ومع بداية الأزمة الأوكرانية، كان المسؤولون الأميركيون المتأثرون بـ«المحافظين الجدد» (بينهم فيكتوريا نولاند)، يكررون زياراتهم لميدان كييف، بينما اشتهر نداء وجهه السناتور الجمهوري، جون ماكين، إلى المتظاهرين، قال فيه إن «أميركا معكم»، محاطاً بجمع كان بينهم قادة من حزب «سفوبودا» اليميني المتطرف. وبهيمنة هؤلاء المسؤولين على الملف الأوكراني، سمح باراك أوباما لهم باتباع سياسة ميدانية غير مسؤولة «ومقرفة... تعادي روسيا وتستفزها»، وفق ما يقول الباحث أناتول ليفن (في تقرير أعدّه لـ«منتدى فالداي»). يتابع ليفن قائلاً: «يحق لنا أن نسأل ما الذي تفعله فيكتوريا نولاند، المسؤولة الأميركية التي تنتمي إلى المحافظين الجدد والمتزوجة بأحد صقورهم، روبرت كاغان، علماً بأن أساليبها تتعارض وأساليب أوباما؟». الجواب وفق ليفن، هو أن نولاند محبذة من قبل جهات (ومن قبل هيلاري كلينتون) ومؤسسات أميركية لا تزال تتصرف بأساليب الحرب الباردة تجاه روسيا.
لعب المحافظون
الجدد دوراً بارزاً في إشعال
الأزمة الأوكرانية

أما الدور الأساسي في هذه الأزمة، فقد لعبه في وقت لاحق نائب الرئيس، جو بايدن، الذي يُعرف بأنه «رجل أوكرانيا» في الإدارة الأميركية. وفي هذا الصدد، تتساءل مجلة «فورين بوليسي»، في مقال عنوانه «ماذا ستفعل أوكرانيا من دون العم جو؟»، عن الشخصية الجديدة في الإدارة الأميركية التي من الممكن أن تلعب دور بايدن، «خصوصا أن هذا التغيير يأتي في لحظة دقيقة من الحرب في أوكرانيا، في ظل المنافسة الشرسة بين أميركا وروسيا».
واعتمدت الحكومة الأوكرانية بشكل كبير على بايدن كصلة وصل مع الإدارة الأميركية. وهو كسب هذا الدور من دعم أوباما له، ومن تاريخه الطويل في تبني الدور الأميركي الفاعل في شرق أوروبا عبر تأييد توسع «حلف شمال الأطلسي» والدفع نحو تدخل أميركي في البلقان في التسعينيات. وبدأ تواصل بايدن مع الأوكرانيين إثر تنازل الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، عن السلطة في 2014، وكان هدف واشنطن في ذلك الحين يتمثل بالتأكد من وصول حكومة إلى كييف «تتمتع بصدقية كافية لتحمل مسؤولية تحول سياسي صعب وخلاص اقتصاد البلاد الذي يعاني». وتمكن بايدن من تكوين رابط شخصي مباشر مع الثنائي الحاكم بعد الانقلاب، الرئيس بيترو بوروشينكو، ورئيس الوزراء، أرسيني يتسنيوك، وساعد الحكومة الجديدة على أن تأخذ 17.5 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، بينما ساعدته فيكتوريا نولاند على الدفع نحو تبني كييف لـ«إصلاحات السوق».
وقسّم أوباما وبايدن المسؤوليات في ما بينهما في الأزمة الأوكرانية، فالرئيس كان يعمل على التأكد من إبقاء العقوبات على روسيا عند لقائه القادة الأوروبيين، في وقت يشرح فيه مسؤول في الإدارة الأميركية أنّ «نائب الرئيس تدخل بصورة تفوق العادة في المساعدة على التواصل مع الأوكرانيين ليعملوا على الإصلاحات والتزام اتفاق مينسك لكي لا يكون هناك أي حجة للأوروبيين لينسحبوا».
«محاربة الفساد» (وهو الأمر الذي لم يتم) لم تشكّل المجال الوحيد الذي تدخلت به الإدارة الأميركية مباشرةً في أوكرانيا، بل دربت الجيش الأوكراني وقدمت مساعدات عسكرية للحكومة الأوكرانية، على الرغم من قرار الرئيس باراك أوباما «بعدم تسليح قوات الأمن الأوكرانية» الذي تعارض مع رغبة «كل المسؤولين الكبار في إدارته»، وفق ديريك شوليت، وهو مسؤول في وزارة الدفاع. والسبب، وفق شوليت، أن أوباما لم يرد أن يزيد من حدة النزاع فيتحوّل إلى نزاع مباشر مع موسكو. وهذه الحجة لا تمنع عملياً الإدارة الأميركية من تقديم الدعم لكييف لتحديث أسطولها البحري وتوسيعه (أخيراً حصلت كييف على 30 مليون دولار، من حزمة تبلغ 500 مليون دولار يجب أن تقدمها واشنطن لأوكرانيا كاملة خلال العام المقبل).
مع أفول عهد أوباما، لا يبدو أنّ سياسته تجاه أوكرانيا قد حققت النجاح، خاصة أنّ الهدف الأول لواشنطن للنصف الثاني من عام 2016، هو التنفيذ الكامل لاتفاق مينسك، الذي لن يطبق في المدى المنظور، كما تبيّن عقب آخر اجتماع لرباعي النورماندي في برلين. ووفق ما قال أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة «بوليتيكو»، فإن السبب وراء ذلك هو أن «تركيز» الإدارة الأميركية مشتت بين قضايا ونزاعات أخرى، خصوصاً سوريا. وأشار هذا المسؤول إلى أنه ما دامت الحكومة الأوكرانية ضعيفة والبرلمان يبدو «كساحة قتال» فلا أفق لحل هذه الأزمة.
الإدارة الأميركية الجديدة، التي تشير الاستطلاعات إلى أنها ستكون برئاسة هيلاري كلينتون، تتمتع «بشعبية» كبيرة في أوساط كييف، لا بل يصفها يتسنيوك بأنها «بطلة» و«تعرف كل شيء». وهناك دور محتمل لبايدن في عهد كلينتون، وفق مصادر تحدثت إلى «بوليتيكو»، لكن مسؤولاً بارزاً في الإدارة، أكد أنّ من الضروري أن يُوظَّف شخص ما حصراً لكييف... ليكون عهد هيلاري، في حال نجاحها، أكثر «تشدداً وحزماً» من أوباما في ما يتعلق بأوكرانيا.