بدأت منذ صباح أمس عمليات إخلاء مخيم كاليه للاجئين، الذي يستحسن بعض الإعلام وصفه بـ«الأدغال»، استعداداً لاستهلال عملية تدميره اليوم. وجرى ذلك في صخب لم يخلُ من ارتفاع منسوب التوتر، بسبب المصير المجهول الذي ينتظر معظم المهاجرين الذين تمركزوا هناك منذ أشهر، على أمل عبور المانش باتجاه المملكة المتحدة.وبدأت حافلات بنقل ما بين ستة آلاف وثمانية آلاف رجل وامرأة وطفل، معظمهم ينحدرون من أفريقيا ومن أفغانستان، لإرسالهم إلى ما يفوق 400 مركز إيواء موزعة على الأراضي الفرنسية، في عملية حشدت السلطات حوالى 1250 شرطياً ودركياً لضمان سيرها من دون صدامات. وقد فرضت السلطات الفرنسية على المعنيين خيارين: إما البقاء في فرنسا والخروج من المخيم (ليتمكنوا في وقت لاحق من التقدم بطلب لجوء في فرنسا، فيما تظل مدة بقائهم في مراكز الإيواء غير معروفة)، أو ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي.
وفي نهاية يوم أمس، تم نقل حوالى 2500 شخص إلى مراكز الإيواء، ومن المقرر أن تستمر العملية لمدة ثلاثة أيام. وفيما كانت بعض الجمعيات المتخصصة في «شؤون المهاجرين» قد حذرت من أن بعضاً منهم قد يرفض المغادرة، فقد حصل ذلك بالفعل إثر وقوع اشتباكات مع الشرطة، مساء الأحد، نتيجة احتجاج البعض على إقفال المخيم. ووضعت السلطات الفرنسية الملامة على «مجموعة يسارية متطرفة بريطانية»، هي مجموعة «لا حدود»، لمحاولتها «تعطيل العملية».
وانتقدت بعض الصحف البريطانية والفرنسية الإجراءات المتخذة تجاه اللاجئين، معتبرة أن وجود مثل هذه المخيمات بحدّ ذاته هو أمر يشي بأن أوروبا غير قادرة على التعامل مع أزمة مماثلة. ورأت النائبة البريطانية عن حزب «العمال»، إيفيت كوبر، أنّ «ما تعرض له الأشخاص الذين كانوا في مخيم كاليه خال من الإنسانية، وقد عرّض الأطفال خصوصاً لأوضاع خطيرة وغير إنسانية»، واصفة ما جرى بأنه «عار على كل أوروبا». وتابعت أن «حلّ أزمة الهجرة لا يكون في نصب مخيمات خارجة عن القانون، بل بتشكيل مراكز إيواء آمنة بإشراف وكالة اللاجئين لدى الأمم المتحدة»، إضافة إلى «تقديم المساعدة الطارئة الضرورية لطالبي اللجوء والمهاجرين». ولذلك، ترى أنه يجب أن يكون هناك «استراتيجية واضحة لمنع وصول الناس إلى التمركز في مخيمات مثل كاليه في الدرجة الأولى، أولاها اتخاذ إجراءات وقائية ضد عصابات الاتجار بالبشر». وحثّت كوبر على النظر بجدية خصوصاً لأوضاع الأطفال الذين كانوا موجودين في كاليه، والعمل بشكل طارئ لحمايتهم، معتبرة أنه «عار أنهم قد تركوا في ذلك المكان طوال هذه المدة». وشددت على أن «إخفاق السلطات الفرنسية في تأمين الحماية الضرورية لهم حتى الآن هو أمر مخز».
في هذا الإطار، يشار إلى أن للأطفال والقصر، البالغ عددهم 1300، وضعاً خاصاً، إذ سيتم نقل بعض منهم (ممن هم من دون مرافقة) إلى المملكة المتحدة عند الانتهاء من عملية الإخلاء، لكن لم تتم المباشرة بذلك حتى الآن. وأثار بعض الناشطين تخوّفهم من أن يتم فقدان هؤلاء الأطفال في الفوضى.
من جهتها، رأت الباحثة البريطانية العاملة في شؤون اللاجئين، هيفن كراولي، أن «حلّ أزمات تدفق المهاجرين سياسي في الدرجة الأولى»، لأن احتمال أن تتكرر هذه المأساة كبير جداً. وتابعت أنه ما دامت «العوامل التي تدفع بالسكان إلى الهرب من بيوتهم، إضافة إلى العوائق التي تمنعهم من بناء حياتهم في الخارج، قائمة، وما دامت دول الاتحاد الأوروبي، من ضمنها المملكة المتحدة، تفشل في ضمان الطرق المؤمنة والقانونية لهؤلاء للحصول على الحماية وحياة كريمة، سيظل الناس يرسمون سبلهم الخاصة نحو الدول التي يوجد لهم فيها أقارب أو أصدقاء، أو حيث يحلمون بالحصول على فرصة باستعادة حياتهم». ورأت أن سبل تجنّب تكرار هذه الحالة عديدة، ومنها «إعادة توزيع المهاجرين»، أو منح تأشيرات دخول إنسانية وإذن عمل مؤقت وتأشيرات دخول تعليمية وغيرها.
كذلك، رأى الصحافي البريطاني باتريك وينتر، في «ذا غارديان»، أن تدمير مخيم كاليه تقوده في الدرجة الأولى مصالح انتخابية للسياسيين الفرنسيين مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
وفي السياق نفسه، رأى الباحث الفرنسي أوليفيه كلوشارد أن «تدمير هذا المخيم ليس حلاً لمشكلة الهجرة»، مذكّراً بتدمير مخيم سانغات في عام 2002، ولجزء كبير من «الأدغال» في عام 2009، وإغلاق المخيمات المتوزعة في مدينة كاليه في شتاء عام 2015، مدرجاً كل ذلك في خانة محاولات الحكومتين البريطانية والفرنسية لإقناع الرأي العام بأن هذه الطريقة «تمثّل حلاً دائماً لأزمة الهجرة». وانتقد كلوشارد «القطيعة الكبيرة بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية» في العمل على وضع حلول فعالة للأزمة، مشيراً إلى أن «تجريم تقديم المساعدة للمهاجرين لم يتوقف». وذكر في هذا السياق التجريم المتكرر لأعمال ناشطي جمعية «لا حدود»، على الرغم من أن عملهم معترف به من قبل السطات المحلية في كاليه وعلى الصعيد الدولي أيضاً. وتابع كلوشارد أن هذه المنظمات توجهت برسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة الفرنسي، مانويل فالس، ووزير خارجيته بيرنارد كازنوف، ذكرت فيها أن «الحكومة لا تملك الجرأة، وترفض أن تأخذ بعين الاعتبار ما يورّد لها من معلومات ومن حلول بديلة لكيفية صناعة سياسات الهجرة الحالية»، واصفاً سياسات الحكومة بأنها «جائرة، عنيفة ومميتة».





«مصطلحات كاليه» تفرضها السياسة!

رأى الباحث الفرنسي في علم الاجتماع إريك فاسان، في مقالة في صحيفة «ميديابارت» الإلكترونية، أن الصراع السياسي في فرنسا ساهم في صياغة المفردات والمصطلحات، وذلك بهدف إيجاد مبررات لتدمير مخيم كاليه. فالحكومة الفرنسية الاشتراكية تقول إنّها تدمّر المخيم من أجل «مصلحة المهاجرين، لاجئين أو لا، والذين كانت قد قيّدتهم في مخيم كاليه... واليوم، تقول إنها تطردهم منه لمصلحتهم، ولمصلحتهم تقمع مقاومتهم واحتجاجاتهم». وتابع أن تصرفات السلطة السياسية تنبع من التنافس الانتخابي، مشيراً إلى أن «السخرية» في الأمر تكمن في أن الاشتراكيين الحاكمين اليوم لا يملكون حتى مرشحاً رئاسياً حقيقياً بعد، ما يجعل تدمير المخيم بلا معنى، أي بلا ربح على الصعيد الانتخابي. وانتقد فاسان استخدام الإعلام لتعبير «تدمير أدغال كاليه»، وكأن مصطلح «تدمير» مصطلح محايد، معتبراً أن ذلك يخفي دور الدولة في تأسيس هذا المخيم بالدرجة الأولى. من جهة ثانية، سخر فاسان من التحجّج بالمسألة الإنسانية لتدمير المخيم، في حين أن السلطات تمنع أطفالاً من بين هؤلاء من الانضمام إلى عائلاتهم في بريطانيا.
(الأخبار)