لا يزال الجدل في إيران مستمراً بشأن الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولي Financial Action Task Force __ FATF، في ظل مخاوف من أن تتحوّل إجراءات هذه المجموعة إلى أداة في يد دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة، لفرض عقوبات داخلية على شخصيات إيرانية. وفيما كان وزير الاقتصاد الإيراني علي طيب نيا، قد أعلن، في أيلول الماضي، شروط بلاده للانضمام إلى المجموعة الدولية، فقد شدد على أن هذه الشروط تتمحور حول "تعريف المجموعات الإرهابية". حينها، قال الوزير الإيراني: "لن نسمح للمؤسسات الدولية بالحصول على معلوماتنا، ولا نقبل أي تعريف للمجموعات الإرهابية يصدر عن أي هيئة أجنبية"، مضيفاً أن إيران لن تطبّق "العقوبات الدولية على الأشخاص ومؤسسات الثورة على أراضيها".ولكن ما هي مجموعة العمل المالي؟ وكيف يمكن أن تتحوّل إلى أداة بيد دول أخرى؟ مجموعة العمل المالي هي هيئة تتولى مهمة دراسة التقنيات واتجاهات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإعداد وتطوير السياسات المتعلقة بهذا الشأن محلياً ودولياً. وقد كانت إيران مُدرجة على "لائحة سوداء" تابعة لها، إلا أنها في حزيران الماضي، علّقت العمل بـ"إجراءاتها المضادة"، في انتظار انضمام إيران نهائياً إليها.
وضعت إيران
شروطاً للانضمام
إلى المجموعة
الدولية FATF

أما على الجهة الإيرانية، فقد وضع المجلس الأعلى للأمن القومي شروطاً للانضمام إلى المجموعة، في وقت لا يزال فيه المشروع يخضع لنقاش على مستوى مؤسسات الدولة، من بينها مجلس الشورى الذي أدرجه على لائحته، ولكن عدداً كبيراً من المسؤولين ــ من بينهم علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ــ يرون أن الغاية الرئيسية للمؤسسات المالية الدولية هو حرمان الجمهورية الإسلامية كافة الإمكانات المالية والفرص الاقتصادية. ويرى هؤلاء أن انضمام إيران إلى اتفاق FATF لا يصب في مصلحتها، لأسباب عدة أبرزها أنه يمكن استخدامها كأداة لتبرير فرض عقوبات جديدة، وقد يعد الأمر امتداداً لفترة ما بعد الاتفاق النووي التي شهدت رفع العقوبات المالية عن إيران في الشكل، وليس عملياً. هذا فضلاً عن أن الولايات المتحدة أقرّت بشرعية التعاون مع المؤسسات الإيرانية المعفاة من العقوبات، فقط اذا جرى الاطمئنان إلى أن نتيجة هذا التعاون لن تعود بالنفع على 178 شخصاً ومؤسسة لا تزال على لائحة العقوبات التي تتعلق بالبرنامج البليستي الإيراني وبـ"دعم الإرهاب".
وفي السياق، كشف وزير الاقتصاد الإيراني علي طيب نيا، عن أن الحكومة وضعت في رسالة، ثلاثة شروط للانضمام إلى مجموعة العمل المالي، وهي أنه لا يمكن للحكومة أن تقبل تعهّداً وإلزاماً نيابة عن البرلمان أو سائر السلطات، أي يمكنها الالتزام فقط في نطاق صلاحياتها. والشرط الثاني، هو أن دستور إيران يتضمّن مواد وقيماً لا يمكن للبرلمان أن يوافق على أي قانون يتعارض معها. أما الثالث، فهو أنه طبقاً للقوانين الإيرانية، المرجع الوحيد لتحديد "مصادر الإرهاب" هو المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وبناء على النقطة الأخيرة، شدّد نيا على أنه لا توجد أي مخاوف من عدم انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي الدولية.
ومثال على الهواجس الإيرانية، ما يوضحه الخبير الاقتصادي، ومدير وكالة "فارس" سيد ياسر جبرائيلي ــ الذي يعد من أبرز المطلعين على هذه المسألة ومن أهم من تناولها في إيران ــ، قائلاً إن "هذا المشروع يؤثر في مردود الثروة النفطية"، على المدى القصير. فبحسب شرط واشنطن، يحق للولايات المتحدة أن تفرض ضرائب وعقوبات على الشركات الصينية، أو الكورية أو الإيطالية، أو غيرها من التي تشتري النفط الإيراني، وذلك "في حال وصول أموالها لوزارة الدفاع الإيرانية".
وبوجود لائحة للعقوبات الأميركية، تسعى لمنع أفراد ومؤسسات إيرانية معيّنة من الاستفادة من الأموال الداخلة إلى طهران عبر المصارف الخارجية، وعبر كل من يشتري النفط، فلا يمكن أن تكون نتيجة الاتفاق مع الـFATF إزالة العقوبات. بل إن وظيفة هذه المجموعة الدولية تكمن في إيجاد تقنية تضمن عدم وصول أي سنت، إلى الشخصيات والمؤسسات الخاضعة للعقوبات.
وفي هذا السياق، يقول جبرائيلي إنه "وفقاً للائحة الأميركية، فإن الأفراد والمؤسسات الخاضعة لعقوبات الـFATF تشمل الجهاز الأمني والدفاعي للدولة"، مشيراً إلى أن ما يصبو إليه الأميركيون هو "أن تلقى وزارة الدفاع والقوات المسلحة والشركات المهمة التابعة لها، ووزارة المعلومات، وصناعة الصواريخ، إضافة إلى جامعة مالك الأشتر، وقوات الحرس الثوري وعشرات المؤسسات المهمة، ضربة قوية بحرمانها الخدمات والدعم المالي".
من هنا، فإن FATF بحد ذاتها لا تمثّل تهديداً للدولة، ولكن النتائج التي ستحصل عليها الولايات المتحدة بفرض العقوبات الداخلية، تعدّ خسارة تاريخية وأمنية كبيرة تهدد قلب الدولة الإيرانية. وبناء عليه، رأى جبرائيلي أن الحل يكمن في أن يجري توقيع الاتفاقات المالية بين طرفين، ما يمنح الدولة استقلالاً وتحرراً من أي جهاز مالي آخر، ويُبطل أي عقوبات خارجية.