برغم أن المناظرة التلفزيونية الأولى بين مرشحي اليمين لانتخابات الرئاسة الفرنسية، نجحت في استقطاب جمهور قياسي، قدّر بنحو ستة ملايين مشاهد، مساء أول أمس، إلا أنّ النقاش لم يسفر عن أي تغيير جذري في مسار المنافسة.المرشح الديغولي، ألان جوبيه، استطاع الحفاظ على موقع الصدارة، بعدما بيّن استطلاع أجرته مؤسسة "opinionway" أنه كان الأكثر إقناعاً خلال هذه المناظرة، بنسبة 33 بالمئة ممن تابعوا النقاش، مقابل 25 بالمائة للرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، و15 بالمئة لبرينو لومير (يمين الوسط)، و14 بالمئة للديغولي الآخر فرانسوا فيون.
في المقابل، لم يتجاوز أي من المرشحين الثلاثة الباقين، جان فرانسوا كوبيه وناتالي كوسيسكو – موريزيه وجان فردريك بواسون، عتبة الخمسة بالمئة.
رغم ذلك، كان تأثير المناظرة في تغيير خيارات الناخبين محدوداً، فقد قال 34 بالمئة ممن تابعوا النقاش إنهم قرروا تغيير خياراتهم من مرشح إلى آخر، بناءً على ما طرح من أفكار وبرامج خلال هذه المناظرة. لكنّ جوبيه أيضاً احتل الصدارة، بعدما استقطب 45 بالمئة ممن قرروا تغيير خياراتهم، مقابل 19 بالمئة فقط لساركوزي.
بذلك، استطاع جوبيه أن يخرج منتصراً من هذه المناظرة الأولى (ستجري مناظرتان أخريان بين المرشحين السبعة خلال الشهر المقبل)، معتمداً على "استراتيجية مينيمالية" تمثلت في النأي بالنفس عن الجدل وتراشق التهم، تاركاً مهمة مهاجمة خصمه الرئيسي ساركوزي إلى المرشح اليميني المتشدد، جان فرانسوا كوبيه، الذي حمل بشدة على إخفاقات ساركوزي في تحقيق "القطيعة" التي وعد بها خلال ولايته الرئاسية (2007 ــ 2012).
كذلك هاجمته مرشحة يمين الوسط، ناتالي كوسيسكو – موريزيه، التي انتقدت المنزلقات الشعبوية لخطاب ساركوزي، داعية اليمين بمختلف مكوناته إلى الحفاظ على "نقاوته الكيميائية" من شوائب اليمين المتطرف.
جوبيه بقي طوال النقاش بعيداً من الجدل، ليثبت أن شغله الشاغل هو استعادة الهيبة والوقار للمنصب الرئاسي، عبر ما سمّاه "ترميم كرامة الوظيفة الرئاسية وإعادة سلطة الدولة". هذا النأي بالنفس عن أي شطط لفظي أو سياسي من شأنه أن ينعكس سلباً في المنصب الرئاسي، جعل جوبيه يظهر في عيون ناخبي اليمين بوصفه وريث النمط الدغولي في الحكم، كما قال 66 بالمئة منهم.
أما ناخبو اليسار، الذين تابعوا المناظرة، فإن هذا "التحفظ الرئاسي" الذي ظهر به جوبيه لم يذكّرهم بالجنرال ديغول فحسب، بل أيضاً بالرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا ميتران (1981 ــ 1995)، وفق ما صرح به 31 بالمئة منهم.
على صعيد المضمون، جرت المناظرة على جزءين: خُصص الأول للاقتصاد، والثاني للقضايا السياسية والاجتماعية. وبينت الاستطلاعات أن جوبيه تقدم على باقي المرشحين، بأكثر من عشر نقاط، في ما يخصّ القضايا الاقتصادية، وحاز تأييد 31 بالمئة ممن يعتزمون المشاركة في الانتخابات التمهيدية اليمينية، بخصوص موضوع محاربة البطالة، مقابل 11 بالمئة فقط لنيكولا ساركوزي. وقال 29 بالمئة من هؤلاء الناخبين إنهم يؤيدون البرنامج الذي طرحه جوبيه في ما يتعلق بالإصلاح الضريبي، مقابل 14 بالمئة فقط لساركوزي.
هذا الفارق تقلص كثيراً في خلال الشق الثاني من المناظرة، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الإشكالية التي يسعى ساركوزي إلى وضعها في قلب هذه الحملة الانتخابية، وفي مقدمتها قضايا الهجرة والإرهاب. بخصوص المهاجرين، تقدم جوبيه بـ 23 بالمئة فقط، مقابل 20 بالمئة لساركوزي، بينما تقلص الفارق بخصوص الإرهاب إلى نقطتين فقط: 23 بالمئة لجوبيه، مقابل 21 بالمئة لساركوزي.
وبرغم الهوة الشاسعة، التي لا تزال تفصل ساركوزي عن جوبيه، الذي يتقدم عليه في كل استطلاعات الرأي بما لا يقل عن 10 بالمئة، فإن تقلص الهوة في ما يتعلق بالإرهاب والهجرة يُبيّن أن "الاستراتيجية الشعبوية" التي أطلقها ساركوزي خلال تجمع "زينيت"، الأسبوع الماضي، بدأت تؤتي ثمارها.
والأرجح أن يستمر ساركوزي، خلال الأسابيع الخمسة الباقية (قبل موعد الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية اليمينية)، في تصعيد خطابه الشعبوي الهادف إلى الاستثمار في الإسلاموفوبيا، مراهناً على المخاوف التي تولدت لدى قطاع واسع من الفرنسيين، بسبب العمليات الإرهابية التي طاولت بلادهم في الأشهر الماضية، وتدفق موجات متزايدة من المهاجرين على القارة الأوروبية.