ليس دونالد ترامب وهيلاري كلينتون وحدهما يقفان على الحد الفاصل بين ما كان وما سيؤولان إليه، وليسا وحدهما ينتظران الثامن من تشرين الثاني ليؤذن لأحدهما بالانطلاق إلى الأمام في مهماته الرئاسية، وللآخر بالعودة من حيث أتى. هناك 435 مقعداً في مجلس النواب يجب أن تُشغل من جديد، و34 مقعداً في مجلس الشيوخ من أصل 100، سيُعاد انتخاب من سيتبوأها. ومن الآن إلى اليوم المنتظر، يعيش الحزبان الديموقراطي والجمهوري حالة من الغليان والتحضير ويحاربان على جبهات عدة. يسعى الأول إلى الحصول على مقاعد إضافية تسمح له بالاستحواذ على الغالبية في الكونغرس، فيما يجهد الثاني للحفاظ على أغلبية حازها في عام 2014، في ظل ما يتهدّد ذلك من تراشق وانتقادات تطاول مرشحه دونالد ترامب وتؤثر بمسعاه التشريعي، متيحة أمام الديموقراطيين "السيناريو الحلم" الذي يتمثّل في أن تتبوأ كلينتون منصب الرئاسة، بوجود كونغرس يدعم قراراتها. ولكن هل يمكن تحقيق ذلك؟ تشير كافة التقديرات إلى أنه ما زال من المبكر التكهّن أي من الحزبين سيسيطر على الكونغرس الأميركي. وفيما يعوّل البعض على مقطع الفيديو الذي نشر، أخيراً، والذي يظهر فيه ترامب مُطلقاً ألفاظاً سيئة على النساء، لتأليب الرأي العام على الجمهوريين، هناك من يرى أنّ من غير المنطقي البناء على هذه الفكرة، لأسباب عدة: أولها أن الولايات التي كانت تاريخياً مع الجمهوريين ستصوّت لأعضاء الكونغرس التابعين لهذا الحزب، أقلّه في مجلس النواب. وثاني الأسباب أن العديد من المرشحين الجمهوريين أعلنوا سحب تأييدهم لترامب بهدف ترجيح كفّة فوزهم. أما السبب الثالث، فهو التمويل المُقدم من أغنياء الحزب، الذي يعطي دفعاً لعدد من المرشحين الضعفاء.
في أيلول الماضي، أي قبل الفيديو الشهير الذي نُشر الأسبوع الماضي، خفضت بيانات ومواقع إحصائية من حظوظ الديموقراطيين في استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ من الجمهوريين، وذلك بعدما كانت هذه الحظوظ عالية خلال الصيف. حينها، أعلنت إحدى المدونات التابعة لصحيفة "نيويورك تايمز" أن بياناتها تشير إلى احتمال كبير بأن يحافظ الجمهوريون على مجلس الشيوخ أمام الديموقراطيين، بمعدل 53 في المئة في مقابل 47 في المئة. وكانت هذه المدوّنة ذاتها قد أعلنت، في آب الماضي، أن الديموقراطيين قد يفوزون بأكثر من 60 في المئة، فيما تقف حظوظ الجمهوريين عند 40 في المئة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الديموقراطيين يشغلون 46 مقعداً في مجلس الشيوخ (اثنان منها للمستقلين المقرّبين من الحزب)، بينما يستحوذ الجمهوريون على 54 مقعداً. أما في مجلس النواب، فيحوز الجمهوريون 246 مقعداً في مقابل 186 للديموقراطيين. وبينما يدافع الديموقراطيون عن عشرة مقاعد في مجلس الشيوخ، يعمل الجمهوريون للحفاظ على 24 مقعداً، من المقاعد الـ34 التي سيجري التنافس عليها.
يجري التنافس في مجلس الشيوخ على 34 مقعداً من أصل مئة

السيناريو الذي يعوّل عليه الديموقراطيون في هذا الإطار، هو استعادة أربعة مقاعد أعطت الجمهوريين الغالبية في مجلس الشيوخ، ليُستكمل المقعد الخامس بحصول تيم كين على منصب نائب الرئيس، وبالتالي على رئاسة مجلس الشيوخ، في حال فوز كلينتون في الانتخابات الرئاسية. ولكن في حال فوز ترامب، سيكون الديموقراطيون بحاجة إلى مقعد إضافي يمنحهم الغالبية في مجلس الشيوخ، وإلى فوز صعب جداً بـ14 مقعداً من أجل الفوز بالغالبية الساحقة. ووفق استطلاع أجرته "ان بي سي نيوز" وصحيفة "وول ستريت جورنال"، بعد نشر مقطع الفيديو، تبيّن أن الناخبين يؤيّدون الديموقراطيين على حساب الجمهوريين، بفارق 7 نقاط مئوية، الأمر الذي جعل العديد من المرشحين الجمهوريين يدقّون ناقوس الخطر ويبتعدون عن ترامب.
بناءً عليه، من المتوقع أن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ معركة حامية في ولايات رئيسية عدة، خصوصاً تلك "المتأرجحة"، مثل نيوهامشير وبنسلفانيا وويسكونسن ونيفادا، حيث السباق الرئاسي أيضاً سيشهد تنافساً قوياً. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على مرشحين جمهوريين يعدّون ضعفاء أمام منافسيهم، كالسيناتور عن نيوهامشير كيلي آيوت، وعن نورث كارولينا ريتشارد بور، وعن ويسكونسون رون جونسون، مارك كيرك عن إيلينوي، وبات تومي عن بنسلفانيا. كذلك، هناك آخرون يواجهون معركة قوية من أجل إعادة الانتخاب، مثل السيناتور روب بورتمان عن أوهايو، وماركو روبيو عن فلوريدا، وجون ماكين عن أريزونا، والذين تمكنوا من الحفاظ على قوتهم إلى الآن على الرغم من تأييدهم لترامب. ولكن ماكين عاد وسحب تأييده، فيما أعلن جون هيك المرشح عن ولاية نيفادا سحب تأييده أيضاً، بهدف الحصول على مقعد زعيم الأقلية الديموقراطية هاري ريد.
أما ماركو روبيو، الذي تنافس مع ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، فقد تمسّك بتأييده لمنافسه السابق، قائلاً: "أنا أخالفه في أشياء كثيرة، ولكني أختلف مع منافسته في كل شيء تقريباً"، ومضيفاً: "أتمنى لو كان لدينا مرشح أفضل للرئاسة، ولكني لا أريد أن تكون هيلاري كلينتون رئيستنا المقبلة". روبيو تقدم على الديموقراطي باتريك مورفي في كل استطلاع أجري في فلوريدا، ولكن آخر استطلاع أجرته شبكة "ان بي سي" و"وول ستريت جورنال" ــ قبل نشر الفيديو عن ترامب ــ أظهر أنه يتقدم فقط بنقطتين على منافسه، وذلك بعد تقدم سابق بسبع نقاط. وفي بنسلفانيا، يحل بات تومي بعد منافسته كاتي ماكغنيتي بفارق نقطة واحدة. وقد أطلق تومي انتقاداً لاذعاً لترامب، من دون أن يصرّح عمّا إذا كان سيصوّت له أو لا. ولكن الولاية نفسها، تشهد تفوقاً لكلينتون على ترامب في الاستطلاعات الرئاسية، بنسبة 9 نقط مئوية، الأمر الذي يوسّع النظرة السلبية إلى مصير تومي.
على الرغم من ذلك، لا يزال الديموقراطيون بعيدين عن الاستحواذ على الكونغرس، بشكل كامل. وبينما ينظر هؤلاء للعام 2016 على أنه مثالي من أجل إعادة السيطرة على مجلس الشيوخ، لكنهم لا يزالون أقل تفاؤلاً عندما يتعلّق الأمر بمجلس النواب، نظراً إلى الفارق الكبير في عدد مقاعد الحزبين، منذ الانتخابات السابقة، فضلاً عن عوامل أخرى أبرزها الأموال والدعايات الانتخابية التي تُنشر في سبيل الحفاظ على سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب.