منذ هزيمة عام 2012، يمرّ اليمين الفرنسي بأسئلة أساسية بشأن الخط الإيديولوجي الذي يجب أن يتبعه، ويقدمه للرأي العام الفرنسي وللناخبين. وتطرح هذه الإشكالية اليوم، أكثر فأكثر، مع اقتراب الانتخابات الأولية في 20 و27 تشرين الثاني 2016، لاختيار المرشح لرئاسة الجمهورية في ربيع 2017، بعد تمكن سبعة مرشحين من أصل 11 من تثبيت ترشيحهم للانتخابات الأولية. وتحمل هذه الانتخابات لليمين الفرنسي أهمية كبرى، ذلك أنه يعوّل على التراجع الكبير لشعبية اليسار الحاكم الذي يمرّ بأزمات داخلية، ما يشكل فرصة أقوى للوصول إلى الدورة الثانية لمن يفوز بانتخابات اليمين، وليتنافس مع مرشحة «الجبهة الوطنية»، مارين لوبن (يمين متطرف). لكن فرص اليمين الفرنسي لا تنفي التشتّت العقائدي الذي يمرّ به، والذي يظهر عبر تدرّج خطابات مرشحيه ممّا هو أقرب إلى اليمين المتطرف، إلى خطاب أكثر وسطية. ولعلّ أبرز هذه الاختلافات تبرز بين نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه، المرشحين الأكثر حظاً، ففيما يعمل ساركوزي على جذب ناخبي اليمين المتطرف، يرفض جوبيه تحوّل اليمين نحو التطرف.
يمثل المرشح آلان جوبيه التيار الأكثر اعتدالاً في اليمين الفرنسي

من جهة ثانية، يعطي المرشحان نيكولا ساركوزي وجان فرنسوا كوبيه من يمين حزب «الجمهوريين» (سابقاً «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية»)، الأولوية لمعالجة قضايا «سيادية» بحزم، ما يجعلهما من مناصري عقيدة «التفضيل الوطني» التي تدافع عنها «الجبهة الوطنية». وفي هذا الإطار، تدخل مرافعة الزعيمين لمصلحة خفض مستوى الهجرة، ومكافحة «الطائفية الإسلامية». ومن هنا أيضاً، يأتي انتقاد ساركوزي لآلية دمج المهاجرين «المعطلة» في فرنسا، وفق تعبيره، ومطالبته بـ«استيعاب» الأجانب الذين يريدون أن يصبحوا فرنسيين. ويتبيّن ذلك في تصريحه، قبل يومين، بأنه «إذا أراد المرء أن يصبح فرنسياً، فعليه أن يتحدث الفرنسية، وأن يعيش كالفرنسيين. ما إن تصبحوا فرنسيين، فإن أجدادكم (تلقائياً) غاليون (من بلاد الغال)»، وهو تصريح انتُقد عليه كثيراً لعدم دقته التاريخية. أما كوبيه، فيقترح حذف قاعدة حق المواطنة بالولادة وحظر الحجاب في كل المؤسسات العامة.
كذلك، يقدّم كل من ساركوزي وكوبيه نفسيهما كرجلين منجزين، سلطويين، وكأنهما وحدهما قادران على تحقيق «خلاص» البلاد في وقت الأزمات. ساركوزي، مثلاً، صوّر مدته الرئاسية (2007 ــ 2012) على أنه كان «أكثر من رئيس»، كذلك سعى إلى ترويج أنه كان على تماس مباشر وفعال مع جميع القضايا، مقللاً من شأن رئيس الوزراء السابق في عهده، فرنسوا فييون، على أنه مجرّد «معاون».
من جهة أخرى، يمثل المرشح ألان جوبيه التيار الأكثر «اعتدالاً» في اليمين، كما نتالي كوشيكو موريزيه. الاثنان يرفضان الأفكار التي تُسهم بجعل اليمين راديكالياً، أو كما تقول موريزيه «الهرولة وراء الجبهة الوطنية» لجذب ناخبي اليمين المتطرف. ويعمل المرشحان على جذب أكبر عدد ممكن من القاعدة الشعبية اليمينية والوسطية على السواء، «لأن هذه هي الفكرة من الاتحاد من أجل حركة شعبية»، وفق جوبيه، الذي يرى أن ساركوزي كسر الرابط بين الوسطيين واليمينيين. كذلك، يقارب كل من جوبيه و موريزيه أزمة المهاجرين بانفتاح أكثر من المرشحين الآخرين.
أما المرشح برونو لو مير، فيمثل مسافة متساوية بين ساركوزي وجوبيه، إذ يرتكز مشروعه على ثلاثة عناوين أساسية: مكافحة الإرهاب والتشدّد الأمني، اعتماد خط اقتصادي ليبرالي واقتصاد إعادة التوزيع، والتقدمية في المسائل الاجتماعية، خصوصاً زواج المثليين.
من جانب آخر، يمثل فرنسوا فييون التيار «الليبرالي» في اليمين الفرنسي، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، فيما يُعَدّ محافظاً في القضايا الاجتماعية. وتميل مقترحاته الاقتصادية إلى التاتشرية، بينما يدافع عن «القيم الاجتماعية التقليدية». على سبيل المثال، يَعد فييون بأنه سيعدِّل قانون «الزواج للجميع» بما يمنع المثليين من تبني الأولاد. ويأتي إطلاق هذه المواقف المحافظة في القضايا الاجتماعية من واقع انتماء جزء من قاعدته الانتخابية إلى اليمين الكاثوليكي المحافظ. في المقابل، هناك مرشح آخر هو رئيس «الحزب المسيحي الديموقراطي»، جان فريدريك بواسون، الذي يمكن وصفه بأنه أقل ليبرالية من فييون في القضايا الاقتصادية، ولكنه يعدّ محافظاً في القضايا الاجتماعية.




مارين لوبن «مرشحة الشعب»

قبل سبعة أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا، قدمت مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبن، نفسها، الأحد الماضي، على أنها «مرشحة الشعب» القادرة على جمع الفرنسيين. وفي خطابها أثناء لقاء لحزبها، قالت لوبن: «أنا مرشحة الشعب، وأريد أن أتكلم معكم عن فرنسا، لأنها هي التي تجمعنا». ولم تتطرق لوبن في خطابها إلى حزبها «الجبهة الوطنية»، كذلك فإنها لم توجّه أي هجوم مباشر إلى منافسيها. ومع أنها قد هاجمت ساركوزي، الذي اقتبس الكثير من شعارات الحزب اليميني المتطرف، قبل يوم من خطابها، فقد تجنبته الأحد، مفضّلة عدم الدخول في جدال. وتطرقت لوبن، خلال نحو ساعة وأمام جمهورها الذي لوّح لها طويلاً بالأعلام الفرنسية، إلى المواضيع المفضلة لديها، مثل الهوية الوطنية والأمن والهجرة والانتماء الأوروبي. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن مارين لوبن ستنتقل إلى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، لكنها قد تُهزم أمام أي مرشح يميني، باعتبار أن مرشح اليمين هو المرجّح للانتقال إلى الدورة الثانية معها، وليس مرشح اليسار. وقدمت لوبن صورة دراماتيكية للوضع في فرنسا، الذي تقول إن الديموقراطية غابت عنه، وبات مثل الدمية بأيدي أسياده الفعليين في الخارج «بروكسل وبرلين وواشنطن».
(الأخبار، أ ف ب)